الفشل في التاريخ والتوثيق
تعتبر امتيازات التنقيب عن النفط oil concession التي حصلت عليها الشركات العملاقة التابعة غالبا للدول الأوروبية الاستعمارية الكبرى، وأميركا، الأساس الذي تم بموجبه قيام هذه الشركات باستثمار وصرف ملايين الدولارات، والجنيهات، في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، قبل الحصول على أي عوائد مجزية من عمليات التنقيب.
يعتبر كتابthe prize: the epic quest for oil, money and power لمؤلفه دانيل يرغين، افضل ما كتب في هذا الموضوع، وسبق أن تطرّقت الى بعض محتويات كتابه الموسوعي الضخم في أكثر من مقال.
تغيّرت أمور كثيرة منذ نشر الكتاب، وألغيت غالبية اتفاقيات الامتياز، وكان للكويت على الرغم من صغر حجمها، دور في إلغائها، ومع هذا بقي أحد أهم بنودها صالحا حتى اليوم ومعمولا به في دول عدة، وخاصة البند المتعلق بأحقية الأسرة الحاكمة بكل ما في أرض الدولة من ثروات. وبالتالي، كانت الشركات تتقاسم عائدات البترول، بنسب متفاوتة، مع الحاكم مباشرة، وليس مع حكومته أو الدولة، والذي يقوم بدوره بصرف ما يراه على شعبه. وكانت حقوق عوائد الامتياز تنتقل من حاكم إلى سلفه.
الأمر في الكويت اختلف مع ستينات القرن الماضي، عندما قرر الحاكم المستنير، الأمير عبدالله السالم التنازل عن حقوقه في اتفاقية امتياز التنقيب عن النفط للشعب الكويتي، وقام مجلس الأمة المنتخب بعدها بسنوات، بإلغاء اتفاقية الامتياز وتأميم النفط.
كانت الإمبراطورية البريطانية لا تغيب الشمس عن مستعمراتها بسبب اتساعها، ولم يأت هذا النجاح الاستعماري عبثا، بل كانت وراءه إدارة متقدمة وإرادة استعمارية صلبة، فلم يكن بإمكان شعب جزيرة صغيرة نائية التحكم في كل هذه الشعوب لو لم تمتلك القوة والتنظيم الدقيق، والتدوين، فكتابها the doomsday الذي دوّن في عام 1086 متضمنا احصائيات سكانية وعمرانية دقيقة، لا يزال المخطوط الأقدم من نوعه في العالم. كما بدأت بريطانيا بتدوين درجات الحرارة منذ عام 1659وغير ذلك من سوابق باهرة.
ولو عدنا الى الكويت لوجدنا أن عدد الوثائق التاريخية الكويتية، والسياسية منها بالذات، قليلة، ومع هذا لم توجد لدى الدولة، حتى عام 1975، أي نسخ عن المراسلات التي جرت بين الحكومة الكويتية وشركات النفط من عام 1934 وحتى توقيع اتفاقية التنقيب عن النفط وحقوق الامتياز، وكيفية توزيع العوائد وغيرها. وكاد الأمر يتطلب وجود شخصية مثل المرحوم يوسف أحمد الغانم الذي انتبه الى هذه الحقيقة وهذا القصور، فقام بالاتصال بالشيخ جابر العلي، وكان وقتها وزير الإعلام، وحثه على القيام بشيء ما لجمع تلك المراسلات والحصول على نص اتفاقية الامتياز، خاصة أن جميع أطراف الاتفاقية كانوا يومها قد غادروا الحياة، ولم يتبق غير البريطاني آرشيبالد شيشولم الذي سبق أن شارك في صياغة الاتفاقية، فتم تكليفه بالمهمة، فاستغرق الأمر منه خمس سنوات.
وورد في المراسلات أنه على الرغم من حاجة الشيخ أحمد الجابر الكبيرة الى المال في حينه، إلا أنه أبدى حصافة ودهاء في المفاوضات بغية الحصول على أفضل الشروط من شركات النفط.
وعلى الرغم من أن الاتفاقية وملحقاتها من مراسلات طبعت في «كتيب» باللغة الإنكليزية عام 1975، وإن بمستوى فني متواضع، ولدي نسخة عنه، فإن أي جهة أكاديمية أو علمية متخصصة لم تهتم بإيلاء الكتاب ما يستحق من أهمية على الرغم مما تضمنه من حقائق ومعلومات في غاية الأهمية. ونأمل في أن يقوم الأستاذ عبدالله الغنيم، رئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية، بترجمة الكتاب/ الوثيقة وطباعته بصورة لائقة والتعليق عليه.
أحمد الصراف