«عيون القطط» وهيئة الطرق

تعتبر القطع المعدنية البيضاء، أو عيون القطة، التي توضع على الطرقات لتحديد مسارات المركبات، وأحيانا لدفع قائديها الى تخفيف السرعة في مناطق معينة، ضمن أفضل عشرة ابتكارات بريطانية على مر الزمن!
واختيار هذه القطعة كأفضل اختراع بريطاني أمر غريب، ولكن معرفة السبب ستزيل الغرابة والكآبة.
كان الإنكليزي بيرسي شو (1890 ــــ 1976) هو الذي اخترعها عام 1934، وكانت عبارة عن قطعتي زجاج عاكستين موضوعتين في اتجاه أو اتجاهي الطريق ضمن نصف قبة من المطاط أو المعدن الصلب، ومقاومة للتلف والكسر وتتحمل مختلف الأجواء، وسميت cat’s eye، أو عين القطة، لأنها تضيء كعيون القطط عندما ينعكس ضوء مصابيح المركبات أو حتى ضوء القمر عليها ليلا.
لم يتبيّن مدى فائدة هذا الاختراع إلا خلال الحرب العالمية الثانية، عندما قرر هتلر الإغارة ليلا على المدن البريطانية الكبيرة وضربها بالقنابل، لكي يخضع حكومتها لمطالبه، وهنا ظهرت أهميته في المساهمة في تحديد مسارات الطرق ليلا، بعد أن أجبرت المدن على إطفاء كل الأنوار ومصابيح الشوارع والطرقات ليصعب على الطائرات الحربية المغيرة معرفة التجمّعات السكانية، ويسمح في الوقت نفسه للمركبات العسكرية والإسعاف والطوارئ أداء عملها بكفاءة، خاصة أن كل المركبات كان مطلوبا منها طلاء النصف العلوي من مصابيحها بدهان داكن لكي لا تراها الطائرات الألمانية الحربية، ولا تعرف أين تلقي بحمولاتها من القنابل، وبالتالي ساهمت عين القطة، حتى في حالة الضباب الكثيف، في انسيابية الخدمات واستمرار المقاومة وإنقاد أرواح الكثيرين.
تطور استخدام هذا الاختراع مع الوقت، وأصبحت دول كثيرة تنتجه بأشكال وأحجام متعددة، وتصنعه من مواد مختلفة، وبألوان تعكس الضوء الأحمر على أكتاف الطريق، والأخضر لمداخل الطرق ومخارجها، والأزرق لتحديد أماكن الوقوف الاضطرارية، سيارات الشرطة والإسعاف، أو مداخل الطرق الزلقة ومخارجها، وهكذا.
وصل الاختراع الى الكويت، كغيرها من دول العالم، وأصبح جزءا من مواصفات بناء الطرق، ولكن مع الوقت تزايد استخدام هذه المسامير اللعينة بكثافة عالية، واصبحنا نجدها مزروعة بالآلاف على طريق المطار، قبل إزالتها، وعلى مخارج الطرق السريعة، وأصبح التالف منها يؤثر ويقطع مطاط كثير من عجلات المركبات، ودفعت شخصيا الكثير بسبب النوعية الرخيصة التي استخدم منها على الطرقات أو بسبب وضعها في أماكن خطأ، وبطرق أفقية غير سليمة على مسارات الطريق الجبرية وغيرها.
ولوقف الاستخدام المكثّف والسيئ لهذه المادة، قمت بالاتصال بمدير هيئة الطرق، وقلت له ان نثر او وضع هذه المسامير، أو عين القطة، في كل مكان، خاصة بصورة أفقية عرضية، في مشاريع الهيئة، خاصة في الاتجاهات الإجبارية، أمر غير محمود وله مساوئ ولا فائدة تذكر منها. اقترحت عليه، وعلى مسؤول آخر في المرور كان معه، التخفيف من استخدامها «العشوائي» في مناقصات الطرق المقبلة، ولكنه لم يقتنع كثيرا بكلامي، من دون أن يبدي سبباً وجيهاً.. فهل في الأمر «إنّ»؟

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top