استقيلوا
قال مرة الراحل جلال عامر، تعليقاً على ظاهرة التدين الشكلي، التي انتشرت في مصر: أصبح معظم سائقي التاكسي يشغّلون القرآن ومع ذلك لا يُشغّلون العداد».
***
أعلن البابا بنديكتوس في مارس 2013 نيته الاستقالة من منصبه، فأثار ذلك قريحة الزميل محمد العراقي، فكتب مقالاً تمنى فيه أن يحذو كل رجال الدين في العالم حذو بابا الفاتيكان، ليستريحوا ويريحوا. وقال إنه تخيل ماذا سيحدث للعالم لو استقال كل رجال الدين، فهل ستنهار البورصات العالمية، أو تتوقف حركة المطارات، أو حركة البناء في العالم، أو تتوقف الاختراعات وتقفل مراكز البحوث، وتلغى المباريات، أو تغلق المدارس والجامعات، أو يتوقف الإنجاب أو يتوقف كل نشاط مفيد للبشرية؟ لا شيء من ذلك سيحدث. فالحياة ستستمر… ولكن إن استقال كل رجال الدين فعلاً، فستتوقف الكراهية والقتل باسم الدين. وسيتوقف لابسو الأحزمة الناسفة عن قتل أنفسهم والآخرين، وستتوقف الفتاوى الهايفة، وتنتهي مافيا توزيع تذاكر دخول الجنة والنار، وسيبدأ البشر في استخدام عقولهم بشكل أكبر، بدلاً من انتظار الأجوبة المعلبة. وسيتوقف الخلط بين الدين والسياسة. وستتحول دور العبادة إلى مراكز إشعاع علمي واجتماعي بدلاً من مراكز بث الكراهية وتخويف الناس من النار وعذاب القبر والثعبان الأقرع. وسيتحول رجال الدين إلى طاقة منتجة مفيدة تساهم في البناء والتقدم، بدل من صرف الكلام واستهلاك الطعام وتفسير الأحلام. وأخيراً أقولها لرجال الدين: نحن لسنا في حاجة إلى وسيط ليقربنا إلى الله أو ليعرفنا بالله، لأننا في زمن الوعي والمعرفة وسهولة التواصل عبر الإنترنت وسرعة الوصول إلى المعلومة، فدعوا الله في قلوبنا واتركوا عقولنا تتنور بنور المعرفة، وأن ينعم الجميع بالحب والوئام بعيداً عن وصاياكم وفتواكم.
تذكرت كلام الزميل العراقي، وأنا أقرأ حكم محكمة الاستئناف في حق كامل الإدارة السابقة لشركة الامتياز، الذين حكم عليهم بالحبس مع الشغل لثلاث سنوات، وإبعاد غير الكويتيين منهم، ومطالبتهم بإعادة أموال الشركة، التي قاموا بالاستيلاء عليها، وبإجبارهم على دفع التعويض المناسب للشركة عن الأضرار التي تسببوا فيها وفي حق مساهميها (وأنا، بالصدفة أحدهم).
القضية شهيرة وسبق أن كتبنا عنها، والمتهمون من السلف، والأموال التي تم الاستيلاء عليها بعشرات الملايين، ربما استخدم بعضهم لحاهم ومظاهر التدين عليهم في الحصول عليها بإيهام الآخرين بصلاحهم واستقامتهم، وتبين تالياً أنهم ليسوا أفضل من غيرهم، إن لم يكونوا أكثر طمعاً منهم.
كما تذكرت بعض مسؤولي هيئة طباعة القرآن، الذين سبق أن أحيلوا إلى النيابة، بعد أن أضاعوا الملايين في دفع رواتب ومكافآت لأنفسهم وأهاليهم وأصحابهم من دون أن ينجحوا في طبع نسخة واحدة من القرآن، والذين ضاعت أو اختفت في «عهدهم» المينون والميمون، من ميزانية الهيئة، قطعتا أرض تبلغ قيمتهما 12 مليوناً ونصف المليون دينار، كما ورد في محاضر مجلس الأمة الرسمية، على لسان النائب أحمد الفضل، ولا يعرف أحد مصير قطعتي الأرض.
وتذكرت المسؤول الكبير في الوزارة الدينية، الذي ألقت المباحث القبض عليه قبل أيام، وهو يقوم بمنح بعض الموظفين مكافآت «بونص» مجزية، ثم يجبرهم على إعادة دفع جزء كبير منها له. وتذكرت كل هؤلاء والمئات غيرهم، الذين لا يتسع المجال لذكرهم، والذين نجحوا في الحصول على مئات من مناقصات الدولة بفضل لحاهم، ونفوذ أحزابهم الدينية، وكانوا على علم بأن الناس سوف يترددون كثيراً قبل اتهامهم بعدم الأمانة، غير مدركين أن هؤلاء بشر وليسوا حتماً أفضل من غيرهم، إن لم يكونوا أسوأ منهم بكثير.
أحمد الصراف