هذا ما لم تستوعبه.. يا «القاضي»!
انتقدت في مقال سابق وضع المنطقة الحرة والحالة البائسة التي أصبحت عليها، بحيث تحولت مرتعاً للقمامة والكلاب الضالة والمباني الخالية والمهجورة، وطالبت وزير التجارة أن يعيد دورها المطلوب.
لم يعجب ما كتبت السيد محمد علي القاضي، فأرسل في 7/12 تعقيباً تضمن بعض السخرية من شخصي، وقبل الرد أود توضيح حقيقة يفرضها «العرف الكويتي الشكّاك»، وهي أن ليست لي علاقة بالمنطقة الحرة، ولم تكن لي يوماً علاقة وثيقة بالراحل جميل السلطان، ولا بالشركة الوطنية العقارية، ولم أمتلك يوماً شيئاً فيها.
يقول السيد القاضي إن الأرض التي جرى تخصيصها منطقة حرة، لم تعمل منذ إنشائها كمنطقة حرة على الإطلاق، وإن فلسفة المنطقة الحرة التي «التبست» عليّ، حسب رأيه، تنطلق من تخصيص منطقة لا تخضع، جمركياً للقوانين السائدة داخل الدولة، إضافة إلى مجموعة التسهيلات المتعلقة بدخول الأجانب إليها وإقامتهم فيها لفترات محددة. والهدف من كل ذلك تحفيز تجارة إعادة التصدير من خلال إزالة الرسوم الجمركية على السلع الواردة إلى البلاد وإعادة تصديرها للدول الأخرى، وهذا ما يجعلها جاذبة للتجار الأجانب للحصول على سلع بتكاليف منخفضة، وبالتالي لا بد من وضع أسوار وحواجز وضوابط تكفل عدم تسرب هذه البضائع المستوردة والمعدة للتصدير إلى الداخل الكويتي. وقال إن ما حدث منذ اليوم الأول لإنشاء المنطقة أنها دشنت بأنشطة مخالفة لهدف وفلسفة إنشائها. وتمت هذه الممارسات بمخالفة للقانون الذي قامت على أساسه، وخرق فاضح لمفهوم المنطقة الحرة، كما أصبح جزء منها مقراً إدارياً لبعض مؤسسات الدولة، وبقيت أبوابها مشرعة أمام الجميع للدخول والتبضع والخروج بمشترياتهم، ومثّل ذلك ذروة المهزلة، حيث إن مثل هذه الممارسات أصبحت وللأسف جزءا من التقليد الكويتي القائم على انتهاك القانون. ثم يعود القاضي، للسخرية من كلامي بالتساؤل عن سبب حزني على الوضع الذي آلت إليه؟!
سأتوقف هنا عن الاقتباس ولن أورد ما ذكره في حقي من اتهامات تتعلق برغبتي في عودة الوضع لما كان عليه، وإنني أريد من الوزير الروضان، تقنين وشرعنة المخالفات، تكريساً للمسيرة الكويتية التي تعج بمثل هذه الممارسات، فهذا أيضاً لم يكن هدفي من المقال ولم أطالب به.
رحل جميل سلطان، عن دنيانا ولن يكون بإمكانه الرد على ما ذكره القاضي، ولن أحل محله في ذلك، فغايتي مختلفة، وهي الغاية التي لم تتمكن عيون القاضي الجميلة من رؤيتها أو ملاحظتها من كلمات المقال، وبين سطوره.
شوف يا عزيزي القاضي: وضع المنطقة الحرة الآن يشبه وضع السلطة التي تدخلت لإنقاد طفلة من سوء معاملة والديها لها، فأخذتها منهم ثم رمتها في الشارع لكي تتسول.
قوانين إدارة المنطقة وُضعت لكي تطبق ويحاسب من لا يطبقها، مثلها مثل قوانين المرور. فإن تقاعست الإدارة عن تطبيق المخالفات على قائدي المركبات ازدادت المخالفات وغطت الكويت برمتها، فهل حاولت الحكومة مثلاً وقف المخالفات أو حتى فرض إحاطة المنطقة بسياج واقٍ؟ فالشركة المديرة أخذت العقد وأدارت المنطقة ضمن قوانين معينة. ولو افترضنا أنها خالفتها، فالعيب يشاركها فيه أيضاً من تقاعس عن تطبيق العقوبات عليها، ومحاسبتها وليس سحب المنطقة منها. وبالتالي كان سحب المنطقة من الشركة المديرة قراراً غير سليم، فلم يكن لا لمصلحة المواطن ولا التاجر ولا الشركات المستغلة ولا أصحاب الأملاك، بل خسر الجميع و«ضحك وانبسط المتشفون والحاسدون»!
وبالتالي، يا سيد محمد، لقد طالبت وزير التجارة بالتدخل لإعادة الروح لفكرة المنطقة وليس لورثة المرحوم السلطان أو الشركة الوطنية، وهذا ما لم تستوعبه!
وأخيراً.. إن الحكومة، التي سبق أن عينتك في العديد من المناصب «الشرفية» والفخمة، واللجان التي لم ينتج عنها ما يعدِّل «المسار الاقتصادي»، هي التي تقاعست عن الإصلاح، وهي التي أوصلت وضع المنطقة لما هو عليه، وهي التي لم تحاول يوما انتقادها، وهي التي نطالب المخلصين فيها الآن بتعديل وضع المنطقة.
أحمد الصراف