طامة الفساد الكبرى
بدأ الفساد في الكويت مع نشوئها وتوسعها، كغيرها من الدول، فليس هناك دولة بمنأى عن الفساد، الفرق بين دولة وأخرى يكمن في الحجم والكمية، وفي طريقة الرقابة والمحاسبة.
سنستعرض هنا بعض حوادث الفساد التي عرفتها الكويت، والمخفي أعظم طبعا، قبل الدخول في موضوع المقال.
بدأ المشوار ربما مع (شركة) حمال باشي، وهو اسم سفينة نقل صغيرة، عندما أعطي احتكار تشغيلها في أعمال المناولة في ميناء الكويت لأفراد محددين، ونتيجة الاحتجاجات أعاد مجلس 1938 ملكيتها للحكومة.
تصاعدت وتيرة الفساد مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وبدأ شحن البترول ووصول عائداته، حيث بدأت الحكومة الصرف على المشاريع، وهذا تطلب نزع ملكية الكثير من العقارات للمنفعة العامة لإنشاء الطرق والمدارس والمستشفيات، فقام متنفذون بالاستيلاء، بوضع اليد، على مساحات شاسعة من الأراضي مما دفع الأمير الراحل عبدالله السالم الى فرض خط التنظيم العام الذي حد كثيرا من التسيب. كرت السبحة بعدها في توزيعات بيوت الشامية وغيرها، وتسرب قرارات لجان التثمين، وعلم البعض بها وتحقيقهم ثروات هائلة على حساب ملاك عقارات بسطاء، هذا غير سرقات وقصص فساد البلدية الأخرى التي لا تعد، وصولا الى قضايا الناقلات، وسرقات مكتب لندن للاستثمار، ونهب أكثر من 5 مليارات دولار من أرصدة شركة توراس الاسبانية وإفلاسها، وسرقات المكاتب الصحية في الخارج، وفضائح العلاج بالخارج، والإيداعات المليونية في حسابات بعض النواب، وضياع 400 مليون دينار في جيوب بضع شركات قام أغلبها بتوريد مولدات كهرباء تبين أنها خردة، ولا تنفع لتشغيل راديو ترانزستور، مرورا بفضائح توزيع الحيازات الزراعية وحظائر الماشية لكسب ولاء نواب وغيرهم، والسكوت على قيام البعض بتجميع المزارع لحسابهم، هذا غير فضيحة غرامة الداو التي بلغت مليارين ونصف مليار دولار تقريبا، مع المصاريف القضائية والإدارية، ولا ننسى سرقات هيئة طباعة القرآن، ولجان الوسطية الخرطي، وفضيحة تجيير شيكات المناخ.
والآن، لو وضعنا كل قضايا الفساد هذه أمامنا وتمعنا فيها لوجدنا أن غالبيتها كانت لها آثار سلبية بدرجة او بأخرى، وكانت كل واحدة تقريبا تؤدي للأخرى أو تشجع عليها. ولو وضعنا مأساة الغزو الصدامي العروبي العراقي الشقيق جانبا، كأكبر كارثة واجهت الكويت لوجدنا أن قضية الفساد الأكبر والأخطر لم نذكرها أعلاه ألا وهي قضية الشهادات الدراسية المزورة بمختلف درجاتها، التي إن سكتت عنها الحكومة سيكون لها تأثير مخرب وهدام يتجاوز بكثير ما سببه الغزو العراقي الصدامي من دمار وقتل وتشريد! ففي الغزو كنا نعرف، والعالم معنا، هوية العدو. وكنا نعلم بان وطننا سيتحرر عاجلا أم آجلا، أما مع حاملي الشهادات الجامعية والعليا فإن معرفتهم صعبة للغاية خاصة مع عدم جدية الحكومة في كشف حامليها.
إن بقاء هؤلاء بيننا، من دون الكشف عن هوياتهم، لا يشكل ظلما وإهانة لحاملي الشهادات الحقيقيين الذين قضوا سنوات طوالا في الحصول عليها، بل ويشكل وجودهم خطرا على الأخلاق وعلى النشء وحتى على وجود الكويت كدولة محترمة، فهم كالأرضة أو الدود الصغير المخفي الذي يخرب كل ما حوله من دون أن يشعر بوجوده احد، وعندما يتم اكتشافه تكون المشاريع قد فسدت، ومستقبل الاجيال قد انهار، وخطط التنمية بارت.. وكل أحلام التقدم والتطور قد تبخرت!
أحمد الصراف