اليوسفان
1 – يوسف الصغير: يوسف صبي صغير يمتاز بذكاء وفطنة. كان دائماً يسمع والده يكلم رجالاً آخرين عن حساباته، ويسمع أرقاماً كبيرة عن أملاكه في الخارج، ويرى النقود بين يدي والده، وكيف يستخدم البطاقات البلاستيكية في الحصول على حاجيات البيت من الجمعية. ولكنه كان يلاحظ، أيضاً، أن والده لم يكن يصرف على نفسه وبيته مقارنة بما يملك من مال وفير. وكانت والدته دائمة الجدال مع والده على مصروف البيت ووضع المطبخ السيئ، وحاجة الحمامات للتبديل والتعديل، وضرورة تغيير مفروشات منزلهم القديم، وتصليح مدخل البيت بدرجاته المهترئة، التي يشتكي حتى ضيوفهم من وضعها البائس. وكيف كان والده يستجيب دائماً لإلحاح والدته، ويحضر المقاولين ويناقش معهم تفاصيل التغييرات المطلوبة لجعل البيت أفضل للسكن، ويطلب العروض ويحدد مواصفات المطبخ وألوان الحمامات ونوعية رخام المدخل، ولكن كل ذلك كان ينتهي غالباً الى لاشيء، لتبدأ جولة أخرى من الشجار والشكوى بين أبيه وأمه. وفي يوم ما عاد والده من عمله وفاجأه ببالون أزرق مربوط بخيط وسلمه إياه، فرح يوسف بالبالون، وأصبح يجرى به بين غرف البيت وهو مبتهج يخبر كل من يلتقي به بما أحضره والده له، وكان الكل مستغرباً كم السعادة التي كان يوسف يشعر بها على بالون زهيد الثمن، ولكنهم لم يكونوا يعرفون حقيقة مشاعره، ورمزية البالون، فقد مل من خلو البيت من البهجة ووسائل الراحة، وبقائه على وضعه السيئ من دون تغيير، والكل من حوله يتذمر ويشتكي، ولا من مجيب بالرغم من توافر الأموال والنوايا الحسنة والمقاولين والإداريين لتنفيذ كل مطالب الأم والأب، وبالتالي اعتبر يوسف البالون بداية التغيير.
2 – يوسف الثاني، هو يوسف الجاسم، رئيس مجلس إدارة الخطوط الكويتية الذي سخر البعض من مبالغته في الاحتفال بافتتاح مبنى ركاب الكويتية «المؤقت» t4، الذي يبدو كالبالونة الزرقاء مقارنة بمطارات العالم الكبرى، ولكنه كان وكنا جميعاً تقريباً في تلك الرحلة، في ذلك اليوم، فرحين بالبالونات الزرقاء التي كنا نحملها، ليس لغلاء ثمن البالون، أو مبنى الركاب الجديد، بل لرمزية الحدث نفسه، وكونه بداية نهاية معاناة ما يزيد على أربعة ملايين ونصف من المسافرين على الكويتية سنوياً.
لقد عانيت شخصياً من سوء مطار الكويت، بإدارته المترهلة وعجزها عن الإبداع بأي شكل، ولو مؤقتاً. فقد كانت لي شخصياً، على مدى ربع قرن، أكثر من 400 تجربة سفر ذهاباً وإياباً من خلال هذا المطار التعيس، نصفها كان تجربة بائسة بمعنى الكلمة، إن بسبب سوء الخدمات أو انعدام الأمن، أو الازدحام الشديد، والاضطرار لاستخدام أدراج عالية صعوداً ونزولاً، أو الصعود لحافلات مهترئة وغير مكيفة لبلوغ الطائرة أو القدوم منها، وغير ذلك من منغصات. ولم يكن غريباً بالتالي رفضي، كما فعل الكثيرون غيري، السفر على الخطوط الكويتية لسوء خدماتها.
لا تزال الشركة بحاجة إلى الكثير ليصبح ممكنا بالفعل الاعتماد عليها، ولكن أملنا في أن ينجح ابن الكويتية البار من انتشالها من وضعها السيئ الذي حتماً لا يد لمن كان يديرها في السابق في ذلك، بل تلام عليه الحكومة التي استخدمت الشركة لسنوات لكسب رضا النواب وقبولهم وتوظيف أقاربهم، ومنحهم مزايا سفر مجانية، وصرف مئات الملايين كل عام لتغطية خسائرها، من دون أن تهتم الحكومة بالسؤال عن سبب كل تلك الخسائر، ولم يكن غريباً بالتالي أن تصل أوضاعها إلى ما وصلت إليه.
سنعود حتماً للسفر على الكويتية، مع إدارتها الجديدة، ونتمنى أن يستقر مجلس الإدارة الحالي ولا يتغير الخفير مع تغير كل وزير!
أحمد الصراف