الصليب الذي منع إجازة روايتي
لأسباب فنية قمت بطبع روايتي الجديدة «عبداللطيف الأرمني». في بيروت، وهي تقع في 150 صفحة تقريبا.
قدمت نسخا منها لوزارة الإعلام، رقابة الكتب، لإجازة بيعها في الكويت. بقيت الرواية لديهم أكثر من شهرين تخلل ذلك اتصالات عدة ووعود بإنهاء قراءتها وإجازتها، وبعد 70 يوما مللت من الانتظار، واعتبرت أن عدم الرد على تساؤلاتي هو بمنزلة رفض الإجازة، فكان هذا المقال.
الرواية بسيطة وخالية من الممنوعات المرعبة الثلاثة: الجنس والدين، والسياسة. وتتعلّق بقصة مهاجر أرمني غادر قريته في تركيا وذهب إلى حلب واختارها وطنا، وهناك تزوج وأنجب ولدا. كبر الولد ووقع في حب فتاة حلبية مسلمة وتزوجها. بسبب صعوبة وضعه الاجتماعي والأسري قرر ترك مسقط رأسه والرحيل مع عائلته الصغيرة لبغداد. لم يطب لهم المقام هناك، فقد اختارت الزوجة العودة لوطنها وأهلها، أما هو فقد قرر البقاء في بغداد، ولكن بعد فترة غير رأيه وقرر السفر للعمل في الكويت، وهناك أصاب نجاحا في عمله، وكوّن ثروة لا بأس بها، ثم تنتهي الرواية بقصة حقيقة كنت يوما طرفا فيها.
لست آسفا على منع روايتي، فكثير من الكتب والقصص لاقت رواجا أكبر بعد منعها. كما أنها تتوافر في بيروت في مكتبات أنطوان وبيسان وبيت الكتب وموقع النيل والفرات في لبنان، هاتف 3903 7895 الذين يقومون عادة بتوصيلها لأي عنوان في لبنان.. مجانا.
إن منع رواية بتلك البساطة أمر مخجل بحد ذاته في عصرنا هذا، ولا يتفق أبدا مع رؤية القيادة لكويت 2035 ولخطط الانفتاح على العالم، وجلب استثمارات بمئات المليارات وجعل الكويت قطعة من العالم المتمدن. فإن كنا نخاف من رواية لا تزيد صفحاتها على 150 صفحة، وبقيت في الرقابة سبعين يوما، فكيف بإمكاننا مواجهة تحديات التحديث والانفتاح المقبلة؟
إن استمرار سيطرة عقلية الرقيب، السطحية والساذجة، على ثقافتنا وعلى ما يجوز لنا قراءته أو الاطلاع عليه أمر مخجل حقا، خاصة بعد أن عرفت أن المنع تعلق بشكل رئيس بتصميم غلاف الرواية، الذي يبين صورة باب قديم يحمل صليبا، وكيف أن صورة الصليب، من وجهة نظر رقابية بوليسية ركيكة فكريا، هي التي وقفت عائقا ضد إجازة الرواية! نعم صورة صليب على باب خشبي على غلاف كتاب تمنع السماح ببيعه في الكويت. لست مستغربا من الأمر، فالعقلية التي منعت الكتاب من البيع في الكويت لأن الغلاف يحمل صورة صليب هي نفس العقلية التي سبق أن منعت نصوصا أدبية عالمية من ان يطلع عليها العامة!
من حقهم، وهو حق لا ننازعكم فيه، منع نشر ما يشاءون من كتب وروايات ومجلات، ولكن بحق السماء اعفونا من قصص الانفتاح على العالم، وجلب الاستثمارات، فمن يجبن أمام رواية بسيطة، كروايتي، لا يستحق أن يكون وصيا حتى على بناء جاخور.
* ملاحظة: أعلن رئيس وكالة الفضاء الأميركية، ناسا، أنه قام بتوقيع اتفاقية مع دولة الإمارات لتشغيل رحلات مأهولة لارتياد الفضاء في القريب العاجل.
أحمد الصراف