كيف تربي لصاً وطنياً؟!

أخبرني صديق، أثق به وأحترمه، أنه في عام 1975 قام مسؤول تربوي بمقابلة مسؤول أكبر، وقدم له كشفاً يتضمن أسماء مجموعة من القياديين في الدولة من حملة الشهادات العليا غير المعتمدة، لكي لا نقول مزوَّرة. وطلب منه الموافقة على قيامه بإنهاء خدمات هؤلاء بهدوء، حفظاً لكرامتهم. ويقول الصديق إن المسؤول الكبير تمعَّن في الكشف ملياً ثم أعاده له طالباً أن يتم طي الموضوع والستر على ما واجه!
كما سبق أن تطرق الصديق محمد السنعوسي في مقابلة مع قناة المجلس لحادثة مماثلة حصلت معه والوزير السابق الأستاذ حسن الإبراهيم مع مسؤول كبير!
هذا السكوت دفع الآخرين لاتباع خطى هؤلاء المزورين، وحتى التمادي في الأمر بعد أن لمسوا مدى سهولة الحصول على شهادات عليا من جامعات متساهلة، و«خرطي» أو من دكاكين ومطاحن شهادات من مختلف دول العالم، وما ينتج من آثار إيجابية كبيرة بعد الحصول عليها سواء مادياً، معنويا أو اجتماعيا، وما يلقاه صاحب هذا اللقب من احترام وتقدير أجوف غالباً، من أنصاف المتعلمين الذين يمثلون غالبية شعبنا، دع عنك أمتنا، صاحبة الرسالة الخالدة!
وهكذا أوصلنا ذلك الـ«أستر على ما واجهت» إلى الوضع البائس والحزين والمخرب الذي نحن فيه، بحيث أصبح كل من يحمل لقب دكتور موضع شك!
السكوت عن بضع شهادات عام 1975 أدى إلى الوضع الذي نحن فيه، وهذا ما حدث تماماً مع فئة البدون المظلومة. فأعدادهم في بداية ستينات القرن الماضي كانت بالفعل قليلة وكان يمكن وضع حل لها في حينه مع وضع قواعد صارمة لما يستجد منها، لاستحالة وضع حد للبدون بشكل نهائي، فأمثال هؤلاء يتواجدون تقريباً في كل دولة في العالم، لكن التردد والتلكؤ في الحل وترك الأمر للزمن ليحل المشكلة أمر أوصلنا وإياهم إلى الوضع المأساوي الذي هم ونحن فيه. فلا نحن قادرون على تجنيسهم جميعاً، ولا قادرون على تجاهل أحقية الكثيرين منهم للجنسية، وخاصة الأحفاد، ولا باستطاعتنا إعادتهم الى سابق أوطانهم، التي ترفض مجرد التفكير في استعادتهم.
وقصة «استر على ما واجهت» سبق أن واجهتني شخصياً عندما قمت بتقديم كشوف تتضمن أسماء عشرات آلاف المواطنين الذين لم يترددوا في سرقة الدولة وهي تئن تحت الاحتلال، والذين خدعونا في لجنة الإعاشة في الرياض وقدموا مستندات مزوَّرة، وقبضوا بدل الريال الواحد، من أموال الإعاشة عشرة ريالات، وكيف عرضت الأسماء على سفيرنا حينها في العاصمة الرياض فقال لي إن الدولة ضائعة والناس ضائعون والكل يشعر باليأس وليس هناك من طريقة لمحاسبة هؤلاء، وطلب مني أن «أستر عليهم»، لكني لم أفعل، فقد أخبرت كل من أعرف حينها بالأمر! ولو لم تسكت الحكومة على هؤلاء السراق الصغار في حينها لما اصبح لدينا الآن كل هذا العدد من «الجمبازية» والحرامية الكبار ولصوص المال العام.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top