تجربة فهد الأحمدي

مر الزميل السعودي فهد الأحمدي، الكاتب في صحيفة الرياض، بتجربة طريفة كتب عنها، وتعلق موضوعها بحقيقة أن الإنسان المشهور عادة ما ينظر له المعجبون به، ممثلاً كان أو كاتباً أو مطرباً، بطريقة مختلفة تماماً عن الطريقة التي يراه فيها من يعرفونه جيداً من أهل أو أصدقاء، فقد تكون الصورة لدى الفئة الأولى مثالية ورائعة، وعكس ذلك أو عادية غالباً لدى الفئة الثانية. ويقول إن معرفة أقرب الناس إلينا، كمشاهير، تسمح لهم بانتقادنا أو حتى الاستخفاف بآرائنا وأفكارنا وإنجازاتنا، فهكذا يعمل العقل الباطن برأيه! فاعتراف الأخ مثلاً بتفوق أخيه يعني تلقائياً فشله هو.. وهكذا.
ويقال إن «لا كرامة لنبي في وطنه»، فسِـيَر العباقرة والمبدعين تبيّن لنا أن الكثيرين منهم نجحوا خارج بيئتهم أو نشأتهم.
وقال إن بعدنا عن القريب الذي تزداد شهرته، تتزايد طردياً مع استمرار تفوقه، فكلما ارتفع مستواه، زاد تجاهله، وكلما ابتعد عنا قدرناه بشكل أفضل ورُسمت له صورة أجمل! وإن هذه الظاهرة تلاحظ حتى بين أفراد العائلة الواحدة.
ما لم ينتبه له الزميل أن هذه ظاهرة طبيعية، تحصل في كل المجتمعات، وربما يمكن تشبيهها بالآثار أو المعارض والمتاحف، التي يزورها الملايين كل عام في دولة ما، ولكننا نجد إعراضا من أهل البلد عنها، ليس لكونهم أقل ثقافة مثلاً، بل لأنهم يعتبرونها معارضهم ومتاحفهم وآثارهم، وهي كانت دائماً جزءاً منهم، وبالتالي يتصرفون، دون وعي غالباً، على أنها أماكن عادية، ويمكن لهم زيارتها في أي يوم شاؤوا.
والمسألة الأخرى الجديرة بالذكر، أننا نسعى جاهدين إلى التعرف على الشخصيات الشهيرة، فنانين أو كتاباً، ولكن ما أن نلتقي بها ونتعرف عليها عن قرب حتى تتغير نظرتنا لها! وهذا ما حدث معي شخصياً، فقد كنت في بداية ولعي بالكتابة مغرماً بكتابات بعض «أصحاب الرأي»، ولكن عندما تعرفت على بعضهم شخصياً صدمت مما وجدته من هوة بين ما يدعون له أو يكتبون عنه، وبين شخصياتهم الحقيقية وحياتهم الأسرية، فسقطوا من عيني، وندمت لسعيي الى التعرف عليهم عن قرب، فقد منعتني نفسي مع الوقت من قراءة ما يكتبون. ولكن عندما سعيت الى لقاء مشاهير في ميادين أخرى لم تتغير فكرتي عن منجزاتهم وإبداعاتهم، على الرغم مما وجدته فيهم من شخصيات غريبة غير مفهومة وحتى غير مستقيمة، وهذا ما دفعني الى قطع علاقتي بهم، ولكن إعجابي بأعمال هؤلاء لم ينقطع، فحياة الرسام أو الممثل أو المطرب غالباً لا علاقة لها بفنه، ولكن هذا لا يسري على كاتب «الرأي»، فالقارئ يتوقع تصرفاً منه ينسجم أو على الأقل يقارب ما يدعو له، وليس نقيضه!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top