بالون شكسبير
أرسل لي صديق النص التالي:
كتب شكسبير في أحد مؤلفاته: لو كان لي ابن فسأسعى إلى أن يكون البالون أكثر ألعابه، وأشتريه له باستمرار. فلعبة البالون تعلمه الكثير من فنون الحياة. تعلمه أن يصبح كبيراً، ولكن بلا ثقل ولا غرور، حتى يستطيع الارتفاع نحو العلا. تعلمه فناء ما بين يديه في أي لحظة وفقدانه يمكن أن يكون بلا مبرر أو سبب، لذلك عليه ألا يتشبث بالأمور الفانية، وألا يهتم بها إلا على قدر معلوم. وأهم ما سيتعلمه من البالون ألا يضغط كثيرا على الأشياء التي يحبها، وألا يلتصق بها لدرجة يؤذيها ويكتم أنفاسها، لأنه سيتسبب في انفجارها وفقدها للأبد، فالحب يكمن في إعطاء الحرية لمن نحبهم.
وسيعلّمه البالون أن المجاملة والمديح الكاذب وتعظيم الأشخاص للمصلحة يشبه النفخ الزائد في البالون، ففي النهاية سينفجر في وجهه، وسيؤذي نفسه بنفسه، وسيدرك في النهاية ان حياتنا مرتبطة بخيط رفيع، كالبالون المربوط بخيط حريري لامع، ومع ذلك تراه يرقص في الهواء غير آبه بقصر مدة حياته أو ضعف ظروفه وإمكاناته. نعم سأشتري له البالون باستمرار، وأحرص أن أنتقيه من مختلف الألوان، كي يحب ويتقبل الجميع بغض النظر عن أشكالهم وخلفياتهم.
كم نحتاج الى أن تكون حياتنا هكذا. (انتهى).
نص جميل، وبه حكم كثيرة، ولكن لم يكتبه الأخ وليم شكسبير حتماً. وهذا ما أخبرت من أرسله لي فزعل مني، واتهمني بادعاء المعرفة وانتقاد كل شيء، وأقسم أنه قرأ النص في كتاب موثوق، وأن منطق النص بنظره يشبه «المنطق الشكسبيري». فقلت له انني أستطيع الجزم بأن شكسبير توفي قبل أكثر من 400 عام، والعالم لم يعرف استخدامات المطاط كبالون إلا بعد وفاة شكسبير بقرون.
بالبحث أكثر تبيّن أن المطاط، الذي تصنع منه غالبية البالونات، يستخرج من مادة تستخرج من سيقان أشجار تنمو في المناطق الحارة. موطن المطاط الأصلي البرازيل، قبل ان يقوم رجل إنكليزي يدعى فاريس عام 1873 بخداع السلطات البرازيلية، وتهريب 2000 بذرة من بذور أشجار الهيفيا، ويذهب بها إلى إنكلترا، التي أرسلت بعدها إلى الهند وسيلان، ونجحت زراعتها هناك ونمت بشكل طبيعي. كما أنشأ الهولنديون بعدها مزارع أخرى للمطاط في أندونيسيا، وأقام الأميركيون مزارع مماثلة في ليبيريا، وفعل ذلك أيضا الفرنسيون في الهند الصينية، واليوم تعتبر ماليزيا من أكبر منتجي المطاط في العالم، وينتج مصنع أتعامل معه أكثر من 40 مليارا من كفوف المطاط، التي تستخدم في الطب والمنزل والصناعة.
عرف الأوروبيون، والعالم، المطاط عام 1521، عندما رأى الأسبان المستعمرون بعضاً من أهالي المكسيك يستخدمون مادة مرنة في بيوتهم تسمى «كاو أوتشو» cao achu، وتعني «شجرة الدموع»، التي منها اشتق الاسم الشائع للمطاط حاليا وهو «الكاوتشوك» caoutchouc.
وفي عام 1766 عرفت أول فائدة للمطاط، وهي قدرته على محو الكتابة على الورق بالقلم الرصاص. وفي 1823 قام الإسكتلندي تشارلز ماكنتوش باستخدام المطاط اللزج في صنع نسيج لا ينفد منه الماء، وكانت تلك بداية تصنيع المعاطف الواقية من المطر. ولكن الفضل في صناعة بالونات المطاط يعود الى العالم الإنكليزي الكبير مايكل فاراداي، وكان ذلك عام 1824، اي بعد قرنين من وفاة العزيز وليم، وكانت قبلها تصنع البالونات من مثانة الحيوانات المجففة وإمعائها، قبل أن تصبح هذه من الأطعمة الشعبية الشهيرة في بلاد الشام، ولبنان بالذات!
نعيد ونكرر أنه علينا بذل بعض الجهد، وبعض التفكير العقلاني قبل إعادة إرسال أي مادة الى غيرنا، وبهذا نساهم في التقليل من نشر السخافة والجهل.
أحمد الصراف