اختلال ميزان العدل
كتبت قبل بضع سنوات مقالاً عن طبيب مبتدئ، استطاع بعلاقاته مع وزير صحةٍ؛ لاكت الألسن سمعته، الحصول على لقب «استشاري» لنفسه في أوراق ومراسلات الوزارة، وتم بموجبها تعيينه «استشارياً» في لجان طبية مهمة، بحيث يمكنه الحصول على علاوة المشاركة فيها بصفته الطبية العالية، وليس كطبيب «مسجل أول»، كما يفترض، مع «تمتعه» اثناء عضويته لهذه اللجان بإجازة مدفوعة الأجر لمرافقة مريض.. لأربع سنوات(!).
قمت، تحت ضغط القرّاء، ورغبتهم في معرفة اسم الطبيب الذي أشرت الى اسمه في المقال بالأحرف الأولى، لذكر اسمه كاملا في تغريدة، فقام الطبيب، وبكل «قوة عين» ووقاحة، بمقاضاتي بتهمة التشهير به!
بموجب قانون المرئي والمسموع، السيّئ، اعتبر تصرّفي في حق المجني عليه «سبا وقذفا علنيا»، وحكم ذلك السجن، بخلاف التعويض المادي لـ«المجني علي»!!
عند استدعائي من وكيل النيابة بيّنت له المستندات التي على أساسها كتبت المقال، وسبب اضطراري الى ذكر اسم منتحل شخصية الاستشاري، وكيف أن دافعي في ذلك كان المصلحة العامة، بعد أن رفضت القبس ذكر اسمه في المقال.
بدا لي حينها أن وكيل النيابة المحترم قد اقتنع بوجهة نظري، وانتقل ذلك الاقتناع لمحكمة الاستئناف ثم «التمييز»، وحصلت على البراءة من تهمة القذف والتشهير.
بعدها بشهر، قمت بمراجعة وزارة التجارة لإنجاز معاملة، فتبيّن وجود قيد أمني يمنع تصرفي، وبمراجعة أكثر من إدارة في «الداخلية» وجدت أن المنع يعود لتهمة السب والقذف الخاصة بالطبيب، فقمت بالسعي لدى نفس الجهات المعنية في «الداخلية» من تنفيذ أحكام وأدلة الجائية، وقبلها «العدل»، لرفع منع التصرّف والسفر عني بموجب أحكام البراءة التي صدرت لمصلحتي، وبعد جهد استغرق وقتا، وكان من الممكن أن يطول لولا ما قدمته المحامية القديرة عدوية الدغيشم، وطاقم مكتب المحامي مشاري العصيمي من عون في هذا الصدد، وكل هذا ساهم في التعجيل بإلغاء القيد الأمني.
اعتبرت الموضوع يومها منتهيا، خاصة بعد أن قمت بعدها بسنتين تقريبا بمشاركة آخرين في تأسيس «جمعية الصداقة الكويتية»، ولم تمانع الجهات الرقابية على ذلك، على الرغم من شدة القيود التي تمنع اصحاب السوابق او المدانين بالمساهمة في تأسيس جمعيات خيرية، وجاءت الموافقة لخلو صحيفتي الجنائية من أي أحكام.
وبالأمس القريب، وبعد قراري العودة عن تقاعدي، سعيت لتأسيس شركتين جديدتين في مجال الطباعة التجارية والفاخرة، وكانت تنتظرني مفاجأة من العيار السخيف، حيث تبيّن أن جهة ما في «الحكومة العميقة» أعادت «نكش» قضية صاحبنا الطبيب «اللااستشاري»، ووضعت قيدا في كمبيوتر «الداخلية» يمنعني من تأسيس أي شركات أو مؤسسات.
وهنا أيضا، بذلت الكثير من الجهد والوقت، وأيضا بالاستعانة بالمحامية عدوية الدغيشم، لرفع المنع الجائر، وغير المبرر، عني، واستغرق ذلك اسبوعين تقريبا.
والسؤال: كيف يمكن أن تقبل العدالة حدوث مثل هذا الخراب والفساد في أهم مرافق الدولة المناط بها تطبيق العدالة؟
كيف يمكن تصديق، إن صح توقّعي، قيام طبيب «بالتخادن» مع مسؤولين في «الداخلية» أو «العدل» لإعادة إدراج اسمي ضمن قائمة الممنوعين من تأسيس الشركات، وبعد سنوات من صدور حكم البراءة لمصلحتي؟
من المؤسف حقّا أن من سعى للتضحية بالكثير من أجل حماية المواطنين من فساد «الصحة»، وبعض من فيها، يتعرّض لمختلف أنواع المضايقات والخسارة في الوقت والمال، وفي الوقت نفسه يترك الطبيب المنتحل صفة استشاري من دون عقاب، واستمراره، ربما حتى لحظة كتابة هذا المقال، بالتمتع بإجازته المدفوعة الأجر، كاستشاري، من دون أي مساءلة!
أحمد الصراف