أين تضع أموالك؟

تقول أمثالنا الشعبية، المتناقضة غالبا: احفظ القرش الأبيض لليوم الأسود، واصرف ما في الجيب يأتك ما في الغيب، استثمر أموالك في حجر أو حجر، أي في عقار أو ذهب، أو ضع ثلث أموالك في العقار وثلثها في التجارة والمضاربة والثلث الأخير نقدا.
ولكن دراسة جادة غطت فترة المئة عام الأخيرة، بينت أن أفضل مجالات الاستثمار، بلا جدال، ليس في العقار، كما كانت الحال لقرون وقرون، الذي يعود أساسا إلى حقائق محددة تتعلق بندرة الأرض ووجودها الملموس وحاجة الجميع اليها. كما أن الشعور بالسعادة لامتلاك بيت يؤوي الإنسان أو عمارة تدر المال، لا يقارن بالسعادة لاستملاك أي استثمار آخر. كما ساهمت الكوارث المالية التي أطاحت بمجالات الاستثمار الأخرى، والبورصات، وآخرها في عامي 2000 و2008 من تخوف الكثيرين، وخاصة صغار المستثمرين من المغامرة خارج دائرة الأرض.
يقول الاقتصادي روبرت شيللر robert shiller من جامعة ييل انه على الرغم من الارتفاع الذي شهده العقار في أميركا في السنوات القليلة الماضية، فان الزيادة في قيمة الأرض الزراعية والسكنية في الفترة من 1915 وحتى 2015 لم تزد على 3 أضعاف إلا قليلا جدا، أو بزيادة %1.1 سنويا، وهذا يعني خطأ الاستثمار العقاري، خاصة إن علمنا أن التضخم العام في الفترة نفسها كان 15.5 ضعفا، أي %3.2 سنويا من عام 1932 وحتى 2015، وهذا برأي شيللر، صاحب الكلمة المسموعة، يعود إلى العرض والطلب، فكلما زاد الطلب على العقار السكني كانت الشركات الضخمة تلبي الطلب فورا، وتوقف الاسعار بالتالي من الارتفاع.
وأظهرت دراسة اميركية قامت بها مؤسسة bankrate.com في الشهر الماضي، وفي تناقض لفكرة الاستثمار في العقار، ان الاستثمار في بورصة الأسهم والسندات في السنوات المئة الماضية كان عائده يفوق %10 سنويا، فليس هناك استثمار عقاري فاق في عائده ما تم استثماره في اسهم مايكروسوفت، وول مارت، بيركشاير هاثاواي، دل، وخاصة مع إعادة استثمار العوائد في نفس السهم.
صحيح أن للعقار جاذبيته، ويمكن تلمسه، ولكن يمثل في الوقت نفسه مسؤولية مادية واجتماعية ويحتاج الى الصيانة، ودفع الرسوم والضرائب عليه، بعكس الأسهم التي تعطي العائد في يوم امتلاك السهم. وفي المقابل نجد أن من يمتلك سهما في شركة فإنه بالفعل جزء من تلك الشركة، فشراء سهم شركة المباني الكويتية يعني تملك جزء من مشروع الأفنيوز مثلا، وهكذا مع سهم البنك الوطني..إلخ. ولكنك لا تستطيع إدارة الجزء الخاص بك من الاسهم، في الوقت الذي تعتمد فيه على نفسك، أو من توكل، في إدارة العقار مباشرة بطريقة سليمة، في الوقت الذي لا يتطلب فيه الاستثمار في الاسهم القيام بأي جهد. كما ليس هناك مبلغ أدنى مطلوب دفعه إن أردنا الاستثمار في الأسهم. أما في العقار فهناك حد أدنى مطلوب دفعه، وهذا ليس ضمن إمكانات الكثيرين. كما أن حاجة المستثمر للنقد تلبى فورا تقريبا عند الاستثمار في الأسهم، اما مع العقار فعملية البيع أكثر تعقيدا. كما ان الاقتراض مقابل السهم أسرع واسهل بكثير من الاقتراض مقابل العقار، وطبعا لا تصح غالبية هذه الأمور التي تجعل السهم أكثر جاذبية من العقار إلا بشرطين، أن تكون اسواق المال في الدولة المعنية متقدمة، ويكون تلاعب إدارات الشركات فيها شبه معدوم، وبالتالي فإن فكرة الاستثمار في الاسهم لا تصلح للتطبيق في الدول الفاسدة، ولا تنفع على المدى القصير. وأنا اشهد بصحة هذه الدراسة من واقع تجربة شخصية ومراقبة مستمرة لأسواق المال تمتد من بدايات سبعينات القرن الماضي.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top