العائلة الآسرة للألباب

تعتبر عائلة روثشيلد the rothschild family من الأسر البارزة في العالم، وتعود أصولها لألمانيا.
بدأت أسطورة الأسرة في منتصف القرن الثامن عشر عندما أسس ماير روثشيلد، ابن الغيتو اليهودي عام 1744 مصرفا في فرانكفورت، سرعان ما توسع في عدة عواصم أوروبية بمساعدة ابنائه الخمسة. وفي تلك الأيام لم يكن القانون يسمح لليهود بالسكن في أحياء المسيحيين. كما لم يكن مسموحا لهم ترك مناطق سكنهم خلال فترات العطل الأسبوعية المسيحية، أو في الفترة المسائية.
كان ماير يسكن في بيت مع ثلاثين آخرين من اقربائه، ولكنه نجح وهو في سن مبكرة في تعلم الكثير من والده الذي كان يتاجر بالعملات المعدنية والحرير، ولكن ماير سرعان ما فقد والده وهو في سن الثانية عشرة، الذي ربما مات حزنا لرفض ابنه رغبته في أن يصبح ملا يهوديا، أو «راباي»، بل فضل التدريب في مؤسسة مصرفية في مدينة هانوفر الألمانية، وهو في الثالثة عشرة، حيث تعلم أسرار المهنة وأصبح تاليا واحدا من خمسة أشهر مصرفيين في التاريخ.
تطورت أعمال ماير بفضل سابق علاقة والده بالأمير ولهلم الذي اصبح تاليا «الملك ولهلم الرابع»، واستمر ماير في تقديم خدماته المصرفية له ولمجموعة من نبلاء عصره. وفي عام 1769 حصل على لقب «المزود الخاص للبلاط» وهو لم يتجاوز الخامسة والعشرين، ومع الوقت توسعت آمال ماير وتزوج وأنجب خمس بنات وما يماثل عددهن من الصبية.
جاءت أول فرصة للأسرة لخلق ثروتها إبان الثورة الفرنسية، عندما طلبت منها النمسا تزويد جيشها بالحنطة والأردية العسكرية والخيول والمعدات وغيرها، فتم ذلك بنجاح. قام بعدها ماير بإرسال أبنائه الخمسة ليستوطنوا باريس وفرانكفورت ونابولي ولندن وفيينا، ومع الوقت اصبحت الأسرة مؤسسة مصرفية عالمية تقرض الحكومات وتمول الحروب، وتمكنوا مع الوقت من تكوين ثروات كبيرة في السندات والأسهم والصناعات، وكانوا روادا في تمويل المشاريع العالمية كقناة السويس.
قام ماير روثشيلد، قبل مفارقته الحياة، بوضع قواعد صارمة لكل ما يتعلق بالأمور المالية لأسرته، وكان هدفه إبقاء الثروة ضمن العائلة، وعدم تفتتها من خلال توزيع الميراث، وبالتالي شجع زواج الأقارب ومنع الميراث عن فتيات الأسرة لدفعهن للزواج ضمنها، إضافة الى منع الآخرين من الطمع ببنات الأسرة بسبب فقرهن النسبي.
توفي ماير ولكن أعمال الأسرة توسعت وزاد نفوذها مع الابن الثالث ناثان (1777 – 1838) الذي أصبح يدير مصارف عابرة للقارات، وأصبح يستخدم شبكة من الحمام الزاجل للاتصال بمصالحه بطريقة اسرع من غيره، وبالتالي كانت الأخبار تصله قبل غيره. ومع الوقت أصبحت الأسرة تمثل البنك المركزي لأوروبا، ووكيلة مشتريات ملوكها وأمرائها، ومنقذة مصارفها من الانهيارات والممولة لأهم مشاريعها، وكان لها دور في التعجيل في الثورة الصناعية.
انتقل ناثان للعيش في لندن مع عام 1798، ودخل البورصة، واسس بنكا يحمل اسمه n m rothschild & sons ltd. الذي يعتبر اليوم من اقدم بنوك بريطانيا.
وتوسعت أعمال الأسرة بحيث أصبحت في الأوقات الصعبة والحروب تمول أحيانا جهتين متعارضتين، كما حصل في الحروب النابليونية. ومن أكبر الضربات التي حققتها الأسرة كانت خلال معركة واترلو بين البريطانيين ونابليون. كان البريطانيون يعتقدون أن موقفهم ضعيف في المعركة، وكان ذلك خلاف ما كان تعتقده مصادر أسرة روثشيلد في ساحة المعركة.
قام ناثان في يوليو 1815 بمغامرة كبيرة عندما صفى كامل محفظته في بورصة لندن، ونظرا لسمعة العائلة التي تعرف بالأحداث قبل وقوعها، فقد قلده بقية المضاربين، فانهارت البورصة، فقام ناثان بحركة ارتدادية وشراء كل المعروض لقناعته بأن النصر في واترلو سيكون حليف بريطانيا! وهذا ما حصل وأصبح المالك الأكبر والأقوى في بريطانيا، التي كانت حكومتها، حتى عام 1915 تقوم بسداد ما عليها لروثشيلد من ديون نتيجة تلك العملية. قصة الأسرة طويلة ومتشعبة، وهناك مراجع كثيرة يمكن الرجوع لها لمعرفة المزيد.
إن الفكرة وراء التطرق لتاريخ هذه الأسرة تعود الى حقيقة عدم وجود ما يماثلها في منطقتنا بسبب نظام المواريث الذي يؤدي لتفتت الملكيات. وسعيدة الحظ تلك الأسر التي تستمر متحدة لجيلين او ثلاثة، وبعدها تتفتت. وقد انتبهت قلة من الأسر الاقتصادية في الكويت والخليج لهذا الأمر، وأصبحت تمنع توزيع التركة عند وفاة أي من ملاكها الكبار، بل تبقيها ضمن نفس المؤسسة، مع الاهتمام برفاهية الجميع بطريقة متساوية.

أحمد الصراف


الارشيف

Back to Top