لقمة ابو إميل , بقلم احمد الصراف
نكتب هذا المقال ليس فقط للإشادة بدور أسرة لبنانية لم تشب سيرتها على مدى ثلاثة أجيال شائبة، بل وأيضا للحديث عن جزء من تاريخ الكويت يتعلق باسم مطعم عرف بتقاليده اللبنانية الجميلة، وهو مطعم «مس الغانم»، قبل ان يتحول إلى «ميس الغانم» قبل بضع سنوات.
تطلق كلمة «ميز» في اللهجة الكويتية على الطاولة، وهي مشتقة من مس أو (mess) الإنكليزية، وتعني المكان الذي يلتقي فيه أعضاء فريق ما لتناول وجباتهم وقضاء وقت فراغهم! ويكاد يقتصر استخدام الكلمة على الجيوش، على ظهر السفن التجارية والحربية، والمعسكرات. وأصل الكلمة يعود للفرنسية) (mes).
بداية مطعم ميس الغانم كانت قبل ستين عاما تقريبا، عندما أدار المرحوم ادمون بركات وأبناؤه مطعما في منطقة شرق الصناعية، خلف معارض وكراجات الغانم، لخدمة موظفي شركة الغانم التي كانت قد بدأت بالتوسع السريع، مع حصول صاحبها الوجيه المرحوم يوسف أحمد الغانم على وكالات تجارية مهمة كسيارات «جنرال موتورز» وغيرها كثير. تطور عمل «مس الغانم» من مطعم لبضع مئات من موظفي شركة كبيرة، ليخدم المئات من خارجها يوما، واشتهر، ليس لكرم أبو إميل بركات ولطفه وثقة زبائنه فقط، بل وأيضا للمذاق الطيب للقمته! توسع شركة الغانم وزيادة نشاط المطعم تطلبا انتقالها إلى موقع جديد، وكان هذا ضمن مجمع سكني يعود ليوسف الغانم يقع في شارع السور وملاصق لقصر دسمان من جهة الجنوب الغربي. وهناك تعرفت للمرة الأولى على لقمة «أبو إميل» الطيبة، بعد ان أخذني زملائي في البنك، وكان ذلك قبل 48 عاما، لتناول طعام الغداء فيه. وما ازال أتذكر الرجل، وهو يقف خلف طاولة مرتفعة بقامته الممشوقة، وشعره الكث والمموج، وأمامه دفتر يسجل فيه ما يتناوله زبائنه من طعام، على الحساب! حيث كان مرتادو المطعم بغالبيتهم من الموظفين الذين كانوا يفضلون سداد ما عليهم في نهاية الشهر، ويومها لم اكن أود ان ابدو مختلفا عن بقية اصحابي، فطلبت قيد المبلغ على حسابي، وتقبل ابو إميل طلبي من دون تردد، واستغربت من طريقته وثقته بزبائنه، فهو لم يسألني عن غير اسمي ومكان عملي، فقد دخلت وأكلت وشربت من دون ان ادفع شيئا، وهذا إن دل على شيء فعلى أريحيته اللامتناهية واستقامته، اللتين ورثهما لأبنائه وأحفاده من بعده، فلا يمكن ان يتصرف رجل ناجح بتلك الطريقة لو لم يكن يؤمن بالطبيعة الطيبة لاخوته البشر!