الصوابر.. وجامعة الشدادية

غادر، قبل بضع سنوات، آخر جحافل المواطنين الكويتيين عاصمة بلادهم مع انهيار سد مباني الصوابر وإخلاء شققها؛ لتتحوّل إلى منطقة أشباح، ولتعود العاصمة لتصبح الوحيدة في العالم التي لا يقطنها مواطنوها، ولتترك لمبانيها الخالية من الروح، ومكاتبها الحكومية ومصالحها التي تغلق ليلا، هذا غير مساحات الفضاء الكبيرة التي تغطيها الأتربة.
فشل المشروع السكاني الأفقي الوحيد في تاريخ الكويت، وفي أفضل بقعة فيها، لم يأت مصادفة، بل ربما عمدا، فكثير من الجهات المتنفذة، والمالكة أراضي السكن الخاص لم يعجبها يوما نظام السكن العمودي، وبالتالي تركت مشروع الصوابر ليفشل ويموت من تلقاء نفسه بالسكتة الاسمنتية، بعد أن وزّعت الشقق على أصحابها وتركتهم لمصيرهم من دون عقد يجمعهم، أو نظام يحدد مسؤولياتهم، فتآكل المبنى بعد أن دب الخلاف بين قاطنيه، ولم تقم أي جهة بصيانته فخرب تماما، وأصبح غير صالح للسكن.
ما حصل في الصوابر وحصل في المطار وفي مدينة الصباح الطبية ومستشفى العدان، وعشرات المشاريع الضخمة الأخرى سيحصل حتما في مبنى مستشفى جابر وفي جامعة صباح السالم (أو جامعة الشدادية أو الكدادية) وغيرها.
قمت قبل أكثر من شهر بتلبية دعوة الأستاذ المهندس قتيبة رزوقي، مدير مشروع جامعة صباح السالم، لزيارة الجامعة والاطلاع عن كثب على ما يقومون به، بعد أن كتبت مقالاً، انتقدت فيه تأخّر إنجاز المشروع وتكلفته الهائلة وغير المسبوقة في العالم.
زيارتي المشروع بيّنت أنه مميز وضخم بالفعل وأكبر مما كنت أتصور، وأنه يستحق أن يوصف بـ«المدينة الجامعية» لحجمه وتميّز مبانيه وتعدّد مرافقه. وقد أعجبت بالفعل بكل ما رأيته من إنجاز وجهود تبذل، في سباق مع الزمن، لإنهاء العمل في موعده.
كان للرائعة أنوار الإبراهيم دور جميل في شرح مزايا المشروع وبيان أوجه الإبداع فيه، وكيف أن التكاليف ارتفعت بعد تطبيق قانون فصل الجنسين، بحيث أصبحت لدينا جامعتان بدلا من واحدة. كما سعدت كثيرا لرؤية ما بذلته المهندسة ضارعة حسين مكي، وفريقها من جهد في اختيار أثاث المشروع، ووفرت على المال العام مبالغ هائلة، وجعلتني أشعر بأن الأمور بالفعل كانت دائما بيد أمينة، وسينتهي لأن يصبح نموذجا نفتخر به جميعا.
غادرت المشروع، وتأخّرت عمدا في الكتابة عن انطباعاتي عنه بسبب ما شعرت به من غصّة وأنا أتخيّل ما ستنتهي إليه حال هذا الصرح، ومصير كل هذه الجهود الضخمة والأموال الهائلة التي صرفت، عندما يتم تسليم المدينة لإدارة جامعة الكويت المترهلة، والقليلة الخبرة في إدارة مثل هذا المشروع المعقد، واحتمال أن يتحوّل لـ«صوابر» آخر، أو في أحسن الأحوال لمنطقة تعليمية متخلفة، بمرافق خربة.
غيّرت رأيي في الكتابة عن انطباعاتي عن جامعة صباح السالم، بعد أن قرأت عن نية الحكومة إسناد مهام إدارة مرافقها الى شركة عالمية متخصصة، وترك الإدارة الأكاديمية لجامعة الكويت. وجاءت هذه الرغبة نظرا الى حجم المشروع الضخم وما تضمنه من تقنيات عالية الحداثة. فشكراً لمن وافق على القرار، وأنقذ المشروع من فشل محتَّم.

الارشيف

Back to Top