أنا والبيتكوين (1 – 2)

اتصل بي مدير تكنولوجيا المعلومات الـit، ليخبرني بوقوع كارثة لأنظمة المحاسبة في شركاتنا، حيث نجح شخص ما من مكان ما في اختراق كامل أنظمة حماية أجهزة الكمبيوتر الرئيسة لدينا، والسطو، بطريقة غير مسبوقة، على كل البيانات المدونة على الأجهزة، والتغلُّب على جميع أنظمة الدعم والنسخ الاحتياطية لدينا، وبالتالي ستتوقف كل أعمال الشركات وقد يتطور الوضع ليعني نهايتها، بعد أن اصبح من المستحيل إصدار أي فواتير أو معرفة سعر أي مادة أو سلعة، أو رصيد حساب اي عميل، وبالتالي سيفقد مئات الموظفين أعمالهم، هذا غير خسارة المساهمين لأموالهم!
بعد ساعات انتظار طويلة وثقيلة ومحيرة، وردت لنا على الإيميل رسالة يخبرنا فيها المرسل أنه من قام بسرقة كامل بياناتنا، وأنه سيقوم بإعادتها لنا في حال وافقنا على أن ندفع له مبلغا من المال سيحدده تاليا، وقام بإمهالنا بضع ساعات للرد عليه، وبخلاف ذلك سيقوم بإتلاف كل ما بحوزته من بيانات.. ما يعني النهاية!
على الرغم من بارقة الأمل الضئيلة التي تمثلت في اتصاله فإن مشاعر مختلطة كثيرة انتابتني، وبرزت تساؤلات مهمة، هل علي إعلام المختصين بملاحقة الجرائم الإلكترونية بالأمر؟ وكيف يمكنني القيام بذلك والوقت ضيق وعطلة؟ وماذا لو أعيدت لنا برامجنا وبها فيروس؟ وكيف يمكن القبول بابتزاز مجرم؟ وكيف بإمكاننا عودة أنشطة شركاتنا وإنقاذها من مصير مظلم؟ وغيرها من اسئلة محيرة.
بعد تردد طال، وبعد الاستعانة بخبرات محلية والاستفادة من تجارب من وقعوا في نفس الكارثة مؤخرا، استقر الرأي على التجاوب مع القرصان وقبول عرضه، فطلب منا تحويل مبلغ عن طريق عملة البيتكوين الرقمية bitcoin وقام بتزويدنا برقم حساب مشفّر.
من دون إطالة، تم عمل اللازم، بعد أخذ مختلف الاحتياطات اللازمة، وانتهى الكابوس على خير.
لفتت هذه التجربة القاسية نظري للعملات الرقمية، وكيف أصبحت أداة دفع لمثل هذه العمليات، حيث يمكن عن طريقها تمويل المشروع وغير المشروع، وقررت البحث في هذه العملة أكثر.
يبلغ سعر وحدة البيتكوين حاليا ديناراً تقريبا، وهي عملة لا وجود ملموساً لها، ولكنها تقبل من جهات كثيرة بسبب مزاياها، وعدم خضوعها لأي رقابة، وليس من السهل تتبع أطرافها، ويتم تداولها عبر الإنترنت فقط.
اكتنف نشأتها كثير من الأساطير والأسرار، وتقول إحداها إن الياباني ساتوشي ناكاموتو هو من بدأ العمل بها عام 2007، وإن الاسم مستعار. وفي أغسطس 2008، تم تسجيل موقع bitcoin.org كنطاق لتداول العملة، وتم إطلاق النسخة الأولى منها في يناير 2009، وحدد سعر صرف الإصدار الأول منه عند 1300 بيتكوين للدولار، وهو حاليا 6500 دولار تقريبا للبيتكوين الواحدة.
لخلق وحدة البيتكوين يتطلب الأمر معدات وبرامج مخصصة تقوم بفك الشيفرات والعمليات الحسابية المعقّدة، وعلى الرغم من أن هذه البرامج مجانية، ويستطيع أي كان إجراءها على جهازه، فإن الجهاز، مهما كانت قوته، لن يتحمّل الضغط الهائل وسيصاب بالتلف حتما، هذا غير تكلفة استهلاك الكهرباء الهائلة، ولكل ذلك علاقة بندرة وحدات العملة، وسعرها المرتفع نسبيا وصلاحيتها لإجراء المشبوه من الدفعات، ولذلك يطلق على عملية خلقها التعدين mining. فالذهب مثلا معدن نادر وتكلفة استخراجه وإزالة الشوائب منه مرتفعة جدا، ولهذا نجد سعره مرتفعا.
(وإلى مقال الغد).

الارشيف

Back to Top