الحصَّان.. كبشُ الفداء

غردت قائلاً: ‏يتخلص المسلمون من ذنوبهم بالحج، ويتخلص المسيحيون منها بالاعتراف الكنسي، أما الهندوس فبالدوالي والغطس في نهر الغانجيز ganges، أما اليهود فإنهم يحملون كبشاً بكل ذنوبهم ويطلقونه في البرية، أما في الكويت فيتم التخلُّص من الذنوب بوضعها على رأس مسؤول وطرده من وظيفته، لينجوا البقية من العقاب والمساءلة. وكبش الفداء scapegoat طقس توراتي ذهب مثلاً عالمياً. وكبش فداء ما حصل مؤخراً من خسائر مادية وغرق طرقات كان المهندس أحمد الحصان، المدير العام لهيئة الطرق، ووكيلة الوزارة، والاثنان لم يكونا أصلاً على ودٍ مع وزير الأشغال.
لا أعتقد بمسؤولية الحصان في ما أصاب الدولة من خسائر، فقد تقلد الرجل منصبه قبل فترة قصيرة نسبياً، فالجزء الأكبر يتحمله من أقاله، وبقية مسؤولي الدولة على مدى نصف قرن من وزراء ووكلاء ومراقبين ومهندسين ومديري مشاريع الطرق والبنية التحتية في أكثر وزارات الدولة فساداً، وصرفاً، والذين كانت غالبيتهم على علم بكم السرقات في مشاريع الطرق، ولكنهم كانوا غالباً إما عاجزين عن فعل شيء أو مستفيدين من الوضع، والأسماء معروفة تقريباً. وكنت يوماً طرفاً في عقود صيانة الأشغال، وأعرف جيداً كمَّ الفساد الذي يرتكب في تنفيذها. ولا نخلي بطبيعة الحال بعض المكاتب الهندسية التي تسببت تصميماتها وإشرافها «الخرطي» على مشاريع كبرى من المسؤولية المباشرة عن الكارثة.
الأمر الآخر الجدير بالذكر، الذي سبق أن تطرقنا له أكثر من مرة، يتعلق بقانون هيئة الطرق غير المنطقي، حيث كررنا رأينا بأنه من الصعب على أي عقلية وطنية – حسب فهمي – إدارة هذا الجهاز بكفاءة، دون أن يحمل بالمسؤولية بين الفترة والأخرى. الأمر الآخر المهم معرفته أن ما حدث في الكويت مؤخرًا وما حدث قبلها ببضع سنوات من هطول امطار غزيرة وتعطُّل مصالح الناس وإغلاق الطرق وتوقف الدراسة، يحدث ما يماثله حتى في أكثر الدول تقدماً. فالقدرة الاستيعابية لمجاري الأمطار في أي دولة يتم تصميمها وتنفيذها بناء على المعدل السنوي لهطول الأمطار، ولا تصمم للحالات الاستثنائية، فهذه عملية مكلفة جداً، ومن الأجدى اقتصادياً وبيئياً، امتصاص أو تحمل ما يحدث من خسائر مادية بين الفترة والأخرى نتيجة هطول أمطار تزيد كثيراً على المعدل العام، ولا بناء شبكة مجارٍ تكلف المليارات وتبقى دون استخدام في غالبية السنوات. فأي عاقل يشتري سيارة صغيرة يمكنها نقل أسرته بطريقة مريحة، وإن زاد عدد من يود نقلهم فجأة، فما عليه غير تحمل تكلفة استئجار سيارة أكبر، وما سيدفعه مقابل ذلك أقل بكثير من شراء سيارة كبيرة لا يحتاج لحجمها لسنوات عدة.
كما أن ما حدث من فيضانات وغرق بعض المناطق يعود أيضا لعدم قدرة أي مضخات على سحب المياه منها بطريقة توازي ما يتدفق عليها.
نعيد التأكيد على أن أحمد الحصان والوكيلة كانا كبش فداء. اقول ذلك وليس لي مصلحة غير إظهار الحقيقة كما أراها، ولا أعرف لا الوكيلة ولا أحمد الحصان، وكان من المفترض عدم إقالتهما، بل إبقاؤهما ومحاسبتهما، إن كانا على خطأ، فمضحك جدا أن يعفيا من منصبيهما ثم تشكل لجنة عليا للنظر في سبب المشكلة!
وكان مفاجئا، بعد كتابة هذا المقال، وربما شجاعا، موقف وزير الاشغال الذي استقال، وذهب لبيته ليرتاح من القيل، في دولة القال.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top