مشكلة المقيم وقضية التجنيس
لأكثر من سبب فإن عدد أصدقائي من المواطنين يساوي تقريبا عددهم من المقيمين، فلكل طرف منهم مزاياه وما يجعله مختلفا عن الطرف الآخر، طعاما وثقافة وفنا وحديثا وأهواء ورغبات. كما لكل طرف شكاواه المرة عن الوضع العام، واختلاف أولوياتهم والقضايا التي تهم كل طرف.
ومن أكثر الأمور التي تدفع الوافد، وهي كلمة لا تعجب الكثيرين، وسنستخدم بدلا منها المقيم، هو الشعور بالغبن عندما يطلب منهم سنويا مثلا مراجعة مختلف الجهات لتجديد إقاماتهم، بعد مرور نصف قرن على إقامتهم في الكويت! ويتساءل البعض منهم بمرارة عن موعد انتهاء هذه المعاناة، ولماذا لا يمنح المقيم بعد 20 أو 25 سنة إقامة مثلا، في حال خلو سجلهم الأمني من السوابق، إقامة خمس أو عشر سنوات مثلا؟ فطالما أن للدولة حق إلغائها فلم لا تمنح لمدة أطول ونخفف بذلك عنه وعن أجهزة الدولة عبئا ومشقة؟
كما يحلو لبعض المقيمين، والعرب المسلمين منهم بالذات، فغير العرب وغير المسلمين ممنوع عليهم، إما بحكم القانون المكتوب او العرف غير المكتوب، أن يحلو لهم شيء، المطالبة بالجنسية الكويتية، أسوة بما يحدث في الكثير من الدول الغربية الأخرى، بعد إقامة بضع سنوات في اي منها، وأحيانا بضعة أشهر! وهذه طبعا مقارنة غير منصفة، فمنطلقات الدول الغربية في منح جنسيتها للمهاجرين أو اللاجئين لها اقتصادية بحتة، فهناك حاجة ماسة الى الأيدي العاملة ولتعويض النقص الشديد في أعداد المواليد بين مواطنيها. كما أن هؤلاء المهاجرين سيخلقون لأنفسهم عملا هناك له حاجة، وبالتالي سيساهمون في دفع الضرائب. كما توجد في الكثير منها، كأستراليا وكندا، موارد طبيعية بحاجة الى الاستغلال، ومساحات شاسعة من الأراضي غير المستغلة. كما أن أعداد سكانها كبيرة نسبيا لا يمكن أن تتغير أو تتأثر ديموغرافيا من ناحية القيم أو المذهب أو الشكل أو غير ذلك، بسهولة.
ولو طبقنا هذه الأمور على دولة صغيرة في حجمها وسكانها، كالكويت، لوجدنا أن من غير المعقول ولا المقبول منح الجنسية لمن بقي في الكويت لسنة أو حتى لمئة سنة، طالما أن وجوده لا يشكل إضافة حقيقية، وخاصة لغير المميزين بصورة أو بأخرى. فكل جنسية تمنح في الكويت ستشكل منذ اليوم الأول عبئا هائلا على موارد الدولة، المعرضة للنضوب أصلا. كما سيكون لأي عملية تجنيس أثرها الديموغرافي الخطير على مجمل التركيبة السكانية، وقد رأينا بوضوح النتائج المخربة والخطيرة لكل عمليات التجنيس التي جرت في السنوات القليلة الماضية والتي نجني سيئ ثمارها، غير القابلة للأكل، على كل قطاع، اليوم ولمئة سنة مقبلة.
وعليه، نعيد القول إننا مع تخفيف إجراءات إقامة الوافد، أو المقيم وتسهيل إقامته واحترامه، ولكننا لسنا، في الوقت نفسه مع التجنيس، فقد طفح الكيل وأصبحت التركيبة السكانية الحالية مصدر خطر على أمن الدولة ونسيجها الاجتماعي، ولا يمكن معالجة الوضع السيئ بالتجنيس المضاد، فلا موارد الدولة ولا هيكليتها تتحمل هذه التجربة. فيكفينا ما أحدثه البعض من عبث في عملية التجنيس العشوائية التي جرت في السنوات القليلة الماضية، والتي لا يبدو أن بالإمكان، بسهولة، التراجع عنها!
***
تعقيباً على مقال الأمس، تبرع بلومبيرغ بمليار ونصف المليار دولار لجامعة جون هوبكنز، لفضلها عليه، وذلك لتغطية رسوم دراسة الطلبة الفقراء في الجامعة! ولم يتبرع بالمبلغ مثلا لجماعته من يهود نيويورك ولا لإسرائيل، ولم يطلب أجراً ولا شكوراً، فأين نحن من هؤلاء في عالمنا المظلم؟!
أحمد الصراف