مأساة «الكويتية»

و«الكويتية» هنا يقصد بها «خطوط» طيراننا، وليس المواطنة، فحال الأخيرة في ظل قانون الأحوال الشخصية، كارثي، وليس مأساويا فقط.
ثبت من التجارب أن فتح أي مستشفى في منطقة نائية أو بعيدة عن الخدمات الطبية سيزيد من عدد مرضى المنطقة بصورة تلقائية. والسبب أن مرضى الطوارئ مثلا من سكان المنطقة النائية عادة ما يستصعبون قطع طريق طويلة للوصول الى مستوصف أو مستشفى لتلقي العلاج، ويؤجّلون الأمر لليوم التالي، وتكتشف نسبة كبيرة منهم صباحا أن آلامها قد اختفت. ولكن لو شعروا بنفس الأعراض أو الآلام، وكان المستشفى قريبا منهم، فسيلجأون اليه حتما لتلقي العلاج، ولهذا يزيد عدد المرضى مع فتح مستشفى جديد في منطقة نائية.
وهذا يشبه حال «الكويتية»، في ظل إدارتها الحالية، التي أصرّت، لسبب وجيه، على نشر الاعتذارات على وسائل التواصل الاجتماعي، وإبداء الأسباب عند وقوع أي مشاكل لركابها. هذا النهج الجديد وغير المسبوق خلق حالة من الاستياء لدى البعض وسوء فهم لدى الغالبية التي اعتقدت أن مشاكل التأخير وإلغاء الرحلات قد أصبحت ضعف ما كانت عليه في السابق، والحقيقة قد تكون عكس ذلك، أو لم يتغيّر الوضع كثيرا عما كان عليه، أو ربما تحسن قليلا. ولكن ما تغير هو «أدب الاعتذار» الذي لم يكن موجودا في السابق بهذا الزخم، فهذا «ضخَّم» من مشاكل «الكويتية» في ظل الاعتذارات شبه المتكررة، خاصة عندما تسوء الأحوال الجوية، فقد أصبحت الكويت برمتها تعرف بمشاكل إقلاع وهبوط ومغادرة طائرات «الكويتية».
الطريف في الموضوع أننا لا نسمع أي اعتذارات من شركات الطيران الأخرى، ولا أعتقد أن هذا يعني أنها مثالية، فهذه المثالية غير موجودة في عالم الطيران.
مشكلة «الكويتية» الحقيقية، كوضع غالبية القطاعات الخدمية الأخرى المملوكة بالكامل للدولة، تكمن في خلل الثقافة الكلية لمجتمعاتها، وفي السلوك الذي تربّى عليه كثير من أفراد هذا المجتمع، وغياب الوازع الأخلاقي لدى نسبة كبيرة منهم. فالجميع مثلا يحرصون على أداء الصلوات في مواقيتها، ولكن هؤلاء أنفسهم لا يكترثون مثلا لتكرار تلبية نداء الاتجاه للطائرة، وحتى مناداة أسمائهم، ويدخلون الطائرة كالطواويس غير مكترثين بما تسبّب فيه تصرّفهم من إساءة الى سمعة الشركة، واستهتار بوقت مئات المسافرين الآخرين. كما أن غياب الشعور بالمسؤولية الاجتماعية ساهم في زيادة مشاكل «الكويتية». فغالبية ممتطي ظهر هذا الناقل لا يكتفون بالشعور أو الاعتقاد بأن الطائرة هي ملك «أبوهم»، بل يتصرّفون على هذا الأساس. ولهذا، نجد الخدمة فيها أقل من المستوى، وحماماتها غير نظيفة غالبا.
الحل قد يكون في خصخصة الشركة، وهذا ليس بالأمر السهل، فهناك مستفيدون من بقاء الوضع على حاله. كما أن هناك ما لا يقل عن عشرة آلاف ممن لهم حق السفر عليها مجانا.. وهكذا.
وأرى أن وضع «الكويتية» سيتحسّن حتما في ظل الإدارة الحالية، ولكنها ستعاني دائما من المشاكل بسبب وضعها القانوني وبقائها تحت رحمة إدارة مترهّلة، كالطيران المدني.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top