«الوقف» و«القصّر» والتقصير
يعود تاريخ الاهتمام الحكومي بالأيتام في الكويت لعام 1938، ومع عام 1959 أصبحت إدارة ضمن وزارة العدل، قبل أن تتحول الى هيئة مستقلة تعنى بشؤون القصّر والوصاية على من لا وصي لهم من قصّر ومحجور عليهم وفاقدي الأهلية والمفقودين، وحماية أموالهم وصيانة ممتلكاتهم، والإشراف على تصرفات الأوصياء والقامة الآخرين إذا عَهدت إليها المحكمة ذلك، وإدارة أموال الأثلاث التي يوصى بها على يدها أو التي تُعين عليها.
وبجانب الاهتمام القديم بالأيتام، فقد اهتمت الدولة مبكرا بموضوع ما يقوم الأهالي بوقفه أو تخصيصه من ملاك لأعمال الخير، كالبيوت والدكاكين والعمارات، والتي يصرف ريعها حسب الأغراض التي يحددها الواقفون، مثل رعاية المساجد والأضاحي وولائم الفقراء، وسقي الماء، وإعانة ذوي القربى والفقراء، وغير ذلك من الأغراض.
وكانت دائرة الأوقاف، التي أنشئت عام 1921، هي التي أخذت على عاتقها وضع ضوابط وأنظمة تكفل تطوير وتنمية الوقف من كل جوانبه بقدر الإمكانات المتاحة لها في تلك الفترة.
ومع الوقت آلت الى تلك الإدارة كل مساجد الدولة، ومع عام 1962 وما بعدها تحولت الإدارة الى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وفي عام 1993 تقرر إنشاء أمانة عامة للأوقاف كجهاز يتمتع باستقلالية، يتولى رعاية شؤون الأوقاف في الداخل والخارج، وإدارة أموال الوقف.
بسبب الطبيعة الهشة نسبيا لأموال القصّر والوقف فلم يكن غريبا بالتالي أن يشوب عمل هاتين الجهتين لغط كثير، وخاصة في ما تعلق باستثماراتها. كما لم يكن غريبا وقوع صراع شرس بين الأحزاب الدينية المسيسة على من يتولى إدارة هاتين الجهتين، لما يقع تحت يديها من اموال، خاصة أن الرقابة عليها ضعيفة، فكم من «أمين عام» من نهش من أموالها بضعة ملايين، قبل ان يختفي بهدوء عن الأضواء ليتمتع بما نهش، ويستمر في الاحتفاظ برضا رعاته.
كما أن تبعية هاتين الجهتين، العدل والأوقاف، لحقيبة وزارية واحدة، جعلت من الطبيعي صراع الأحزاب الدينية على «كيكتها» والتحكم في توجيه تلك الاستثمارات للجهة التي قد تكون غالبا في مصلحتهم.
ومن المؤسف أو الطبيعي ملاحظة أنه بالرغم من أن عمل هاتين الجهتين استثماري في جزء كبير منه، فإنه نادرا ما أدار أعمالها، بالرغم من ضخامة الأموال التي تقع تحت يدها، خبير مالي في تنمية الثروات، بل كان التعيين للأكثر ولاء للحزب الديني السياسي الحكم والمتحكم في الوزارة، وليس للأكثر كفاءة، وكان هذا سبباً وراء الكثير من قراراتها غير الحصيفة او غير المثمرة.
وفي حكم صدر مؤخرا عن المحكمة الاستئنافية، قضت المحكمة بإلغاء حكم أول درجة، وتعيين مواطنة وصية على أموال ابنائها القصر، وعزل الهيئة العامة لشؤون القصر من الإدارة، وهذا الحكم يؤكد ما ذكرناه مرارا من تقصير هذه الجهات، فقد رأت المحكمة أن الأم غالبا ما تكون أكثر حرصا على إدارة أملاك القصّر من أبنائها من الإدارة الحكومية، والتي قصرت في مثالنا أعلاه في واجباتها، بعد أن اثبتت الأم إخلال الإدارة المعنية بتلك الواجبات، وفي كل ما يتعلق بحقوق أبنائها.
أحمد الصراف