الوقت.. وحاتم بيه الطائي

تعتقد غالبية شعوب أمتنا أو أممنا أن قيمنا الاجتماعية والأخلاقية جيدة، وأفضل من قيم الغرب المنحل! وفي خضم غرقنا في هذا الاعتقاد السخيف لا ندرك أن هذه القيم بالذات هي الفارق بين ما هم عليه من تقدم ورقي، وما نحن عليه وفيه. فعندما تتظاهر أعداد كبيرة من أولياء أمور، وما هم بأولياء، طلبة المدارس أمام مكاتب مسؤولي وزارة التربية مطالبين بمنع صدور قوانين أو تعليمات تمنع الغش في المدارس، حينها تعرف اننا أمم زائلة لا محالة، وستأكل نفسها قريبا.
فبدايات التنمية والتحرر والتقدم وتحقيق رؤية القيادة في مستقبل أفضل لا تتحقق في محاسبة الفاسدين وتشييد المباني فقط، بل والأهم من ذلك في تغيير منظومة قيم المجتمع وأخلاقياته. فمجتمع لا يزال يعتقد أن العمل اليدوي مهين، وأن أي مهنة، المشتقة من المهانة، وضيعة متى كانت تؤدى باليد، مجتمع بحاجة الى تغيير جذري في سلوكه.
أقول ذلك بعد أن دعيت قبل أيام لحضور ندوة تعلق موضوعها بشأن عام يهم الكثيرين، وكانت غالبية المدعوين من «نخبة» المجتمع، ومن أساتذته وقادة الرأي فيه. وبالرغم من أن رئيس الجهة الداعية كرر التذكير بالندوة أربع مرات، وشدد على الحضور قبل نصف ساعة، فإن عددا كبيرا من المدعوين، من محاضرين ومحاورين، وبالذات ممن خصصت لهم مقاعد وثيرة في الصفوف الأولى، لم يحضروا، ولم يعتذروا، ومن حضر جاء متأخرا بين نصف ساعة و45 دقيقة!
فإذا كان هذا حال «النخبة» المتعلمة فكيف هو حال من لم يحصلوا على ما يكفي من التعليم، وهم الغالبية؟
تكرر الأمر في حفل صندوق وقفية القدس، الذي دعيت لحضوره، حيث ورد في الدعوة أن المناسبة ستقام في السابعة والنصف، ولكن الحضور الكريم تأخر أو غاب في غالبيته، ولم تبدأ المراسم إلا بعد مرور 45 دقيقة فقط لا غير.. وهذا ما دفعني الى مغادرة الحفل.. آسفا على أشياء كثيرة منها وضعنا المؤسف. فإذا كنا عاجزين، بشكل عام، عن الالتزام بأبسط المواعيد وأكثرها راحة، فكيف يمكننا الاتفاق مثلا على ساعة صفر تحرير القدس؟
مسألة عدم الالتزام بالوقت، وعلى كل المستويات تقريبا، ظاهرة شاملة تقريبا، ومن يشذ عنها يصبح مثلا يشار له بالبنان، فدار الآثار الإسلامية كانت أول من سن سنة إغلاق الأبواب في السابعة مساء في كل حفلاتها ومناسباتها، من دون استثناء، حتى أصبحت مثلا، ولو كان الالتزام بالوقت أمرا شائعا لما ذكر أحد ظاهرة دار الآثار، ومن بعدها حفلات دار الأوبرا.
وهذا يذكرني بقصة الكرم وبمثله الأعلى «حاتم الطائي»! فلو كان المجتمع حينها مجتمع كرم، كما كان يقال لنا، لما اصبح حاتم بيه مثالا يضرب في الكرم، وبالتالي فإن الوضع كان غالبا عكس ذلك، ولهذا اشتهر حاتم بالكرم.
وكل مناسبة كريمة وانتم بخير.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top