فن الترجمة لدى الخبير طارق
لفت الأكاديمي السابق وأستاذ الترجمة، طارق فخر الدين، نظري لحقيقة لم أكن أدركها، وما أكثر ما لا أدرك. ففي كلمة ألقاها في رابطة أعضاء هيئة التدريس في التطبيقي تعلقت بالترجمة، ذكر أن استخدام الترجمة أثناء دراسة اللغة في الجامعة كان محرماً في المحاضرات، باستثناء محاضرات الترجمة بالطبع. وكان يمنع استخدام لغة أخرى أو اللجوء إلى قوائم مصطلحات ثنائية، أو ترجمة المادة الدراسية إلى العربية مثلا، والسبب أن طالب الإنكليزية ينبغي عليه تعلم التفكير والفهم والتواصل بها وعدم تعكير صفو ذهنه بلغة أخرى، وأصبح بالتالي من الصعب استخدام الترجمة في التعليم (ضمن بقايا فلسفة ماكولي «الاستعمارية» التي طبقت عليه أثناء دراسته)، خصوصا أن أساتذته الإنكليز كانوا يتوهمون أن لغتهم يجب أن تسود، وترجمة نصوصها، حتى في عقل المتلقي، ستحول دون إجادة التلقي التلقائي لها، وتربك تفكيره! ولكنهم تناسوا أن الطلبة، لكي يستوعبوا ما كان يدرّس لهم، كانوا يجرون عمليات ترجمة ذهنية سريعة، ومربكة غالبا، ومع هذا كان فهم نصوص الروايات والمسرحيات بالإنكليزية صعبا، وبخاصة في المراحل الأولى.
ولهذا قام في آخر فصل دراسي له في تدريس مادة الترجمة بجامعة الكويت، بإجراء تجربة طالما حلم بتطبيقها، حيث طلب من طلبته قراءة الترجمة العربية لمسرحية شكسبيرية، قبل دراستها بلغتها الأصلية، وكان هناك احتجاج منهم، ولكنه أقنعهم بالمضي في تقبل فكرته.
جاؤوا في المحاضرة التالية وقد قرؤوا الترجمة وفهموا المسرحية، وهنا قال لهم: الآن انسوا الترجمة العربية ودعونا نذهب إلى شكسبير الإنكليزي، فلاحظ أنهم يستمتعون بكل سطر منها، ويتذوقون كل صورها الشعرية، على الرغم من صعوبة اللغة الشكسبيرية. بل إن أداءهم تفوق على كل توقعاته، وكانوا يتمعنون في قراءة الهوامش التفسيرية المطبوعة بالإنكليزية بخط صغير في أسفل الصفحة ويناقشونها بإسهاب. ويستطرد قائلا إن القراءة المسبقة للترجمة ساعدتهم في التعلم الواعي وكسر حاجز اللغة الأجنبية، كما ساعدتهم في اختراق الحاجز الهيكلي للعمل الأدبي، لأنهم استوعبوا «الحكاية» وعرفوا شخوصها وتفهموا أحداثها وتذوقوا جمال الصورة الشعرية من خلال الترجمة الراقية التي شوقتهم إلى قراءة المسرحية من منبعها اللغوي. كما قل غموض النص وأصبح تعلم الطلبة هادفاً لأنهم تحولوا من متلقين سلبيين إلى مشاركين إيجابيين في تعلمهم، فقد مكنتهم الترجمة على توسعة رقعة مداركهم ومساحات الفهم لديهم، وأتاحت لهم خلفية معرفية مكنتهم من ربط المعرفة الجديدة التي قرؤوها باللغة الأجنبية بالمعرفة المخزنة لديهم.
ويختم الأستاذ طارق فكرته بالقول إن المتأثرين بنظرية ماكولي المبنية على استئصال المعرفة باللغة والثقافة المحلية، تمهيداً لإحلال الثقافة واللغة الجديدة مكانها، يفترضون أن ذهن متعلم اللغة خال تماماً من أي معرفة مسبقة، وهذا افتراض غير عقلاني، فالطالب لا يستطيع أن ينسلخ عن لغته الأم ولا أن يقسم ذهنه إلى فصين ثقافيين معزولين عن بعضهما. كما أن الاستفادة من اللغة الأم والمعرفة المسبقة لدى الطالب في تعليمه مهارات ومعارف جديدة أمر متبع في الجامعات العالمية، مؤكدا المزايا الإيجابية لاستخدام الترجمة في مختلف تخصصات التعليم الجامعي بدلا من حركة التعريب التام، التي أعتقد أنها حركة سيئة، خصوصا في مشاريع تعريب الطب الفاشلة، وغيرها!
***
شكرا للصحف التي بادرت بنشر إعلان تهنئة المسيحيين بأعياد الميلاد. كما نشكر الزميلة إقبال الأحمد والسفير عادل العيار وقوفهما خلف هذه الفكرة الرائعة.. والشكر إلى كلّ الزملاء الكتّاب الذين خصصوا أعمدتهم الأسبوعية لتقديم التهنئة.
بس.. ملينا من التعصب.
أحمد الصراف