كلمة من القلب
ألقى الأستاذ جورج سلامة الكلمة التالية في المدرسة الأرمنية بمناسبة صدور رواية «عبداللطيف الأرمني»:
صوت يرن في مسمعي.. ونداء يلامس قلبي ووجداني، صوت ينتصر للحق والحقيقة في عالم أقام على الحقيقة جنازة وعويلاً، صوت لا يداجي ولا يحابي، والذي كسر القيود واستخف بالحواجز والحدود، وخضع للحق والحقيقة وحدهما، إنه صوتك أيها الضيف العزيز أحمد الصراف، الذي يحلو لنا أن نسمعه دائماً.
لن أخاطبك كضيف، فأنت من أهل البيت، وأقول لك بكل صدق (*):
يا سيدي شرفت قوماً
قلوبهم لك دور
إن ضاقت الدور يوماً
فلن تضيق الصدور
أيها الضيف، من حسن حظي أن قرأت بعض مقالات كتبتها، ورواية «عبداللطيف الأرمني»، فأكبرت فيك الحس الإنساني والجرأة التي لا تأبه لحدود وحواجز، والشجاعة الأدبية التي نحن بأمس الحاجة إليها، وقلت في نفسي: لو أن في أمتنا الكثير من الأدباء والكتّاب، الذين عرفوا رسالة الأدب الحقيقية، لكنا عندها خير أمة. لقد آثرت يا سيدي الصدق الأدبي في ما كتبت، فكان لروايتك وقبلها مقالاتك ذلك الطعم الذي تتعطش إليه نفوسنا، وما قيمة أدب لا يجاهر بالحقيقة، أو لا يثور على الظلم والفساد ويجافي الصدق والمعاناة؟
قيل لأعرابي يوماً: لِمَ مراثيكم أجمل أشعاركم؟ فرد: لأننا نقولها وقلوبنا مجروحة وأجفاننا مقروحة.
لقد سئمنا يا سيدي لغة المنابر والمحابر وأصوات المتكلفين المتصنعين الذين قال فيهم الشاعر:
يحرم فيكم الصهباء فجراً
ويشربها على عمد مساء
يقول لكم غدوت بلا كساء
ولذاتها رهن الكساء
نريد أن نعيش للحاضر ونأبى أن ندور في حلقة التلقي، ونرفض أن نتبع أولئك الذين يقولون نبني كما كانت أوائلنا تبنى ونفعل مثلما فعلوا.
نتمنى لأصحاب الكلمة عندنا أن يكونوا صادقين كما أنت، وأن يروا الواقع بعينك أنت وقلبك أنت وبعقلك أنت، واسمح لي يا سيدي بأن أحدثك عن انطباعاتي حول روايتك هذه، وأعتذر منك أولاً فأنا ما أتيت ناقداً بل مستفيداً، لقد قرأت الكثير عن مأساة الأرمن، بحكم مرافقتي وعملي معهم لأكثر من ثلاثين عاماً، ولكن روايتك كان لها الوقع الأشد والتأثير الأكبر، فلقد أمسكت بخيوط القصة الفنية، واستحضرت الوقائع المؤثرة بصدق وواقعية، فنقلت قارئك إلى خضم هذه الأحداث بما رويته من تفصيلات لولاها ما كان لهذه الرواية طعمها الخاص.
لقد وصفت باقتدار ذلك الظلم الذي وقع على شعب مسالم يقتلع من أرضه وبيته ليرمى للمجهول، وطفلة في العاشرة تنتزع من أهلها لتحمل بعيداً إلى حيث الضياع، ووصفت ذلك كله بلغة مؤثرة واقعية، ومع هذا لم تسقط في مهاوي الوعظ والإرشاد، بل تركت للشخصيات أن تحمل الهدف النبيل الذي رسمته وعبرت عنه بطريقة تدل على معرفة بالفن القصصي الشيق، وتركت الأحداث تسير بشكل طبيعي وتتدفق كما يتدفق الشلال، فكان عنصر التشابك والتشويق مؤثراً يشد القارئ ولا يتركه. كما كانت اللغة التي وظفتها مناسبة للشخصيات، ليس فيها تقعر الفصحى، ولا تردي العامية، إنها اللغة التي لا تتعب القارئ، بل تشده لمتابعة الأحداث.
سيدي الكاتب: لك من هضاب أرمينيا تفاحات ثلاث وباقة ورد ليست بشيء، وإنما هي للوفاء، وأقول لأبناء الجالية الأرمنية افتحوا بيوتكم وقلوبكم لهذه الرواية.
ليت الرياض تعديني ألوانها، فأصوغ منها للصديق خطابا،
وأقول إني عاجز عن شكره عجز الأنامل أن تلم عبابا.
أحمد الصراف