الداعية الغلبان وبلاد العميان
تذكرت رواية «في بلاد العميان» لهربرت ويلز، بغريب أحداثها، والتي سبق أن كتبت عنها، وأنا أستمع للدعاية المضادة لأحد الدعاة، وهو يطعن في أخص خصوصيات الغرب، ومن قلب سويسرا، مدعيا، وكأنه يخاطب جهلة وخرساً، أن السلطات السويسرية، كما قرأ في إحدى الصحف، قامت بتحرير مخالفة مالية كبيرة لشخص كان يتحدث مع صديقه وذكر «الله أكبر»، فتقدّم منه شرطي وحرر مخالفة له! ودلل على ذلك على عدم صحة وجود حرية أديان في بلاد الغرب، وسخر من المؤمنين من أمثالنا، عندما نقول بتسامح وعلمانية الغرب وتعايش الثقافات والديانات فيه، وعدم صحة كل هذه الأحلام الوردية والمثالية، غير الموجودة على أرض الواقع.
يحتاج المرء لكَمّ لا بأس به من السذاجة، أو ربما البلاهة، لتصديق مثل هؤلاء الدعاة، فكيف يمكن فهم ما يدعيه، وهو واقف في شارع أهم مدنها، مكررا «الله أكبر» مرات عدة مرات في حديثه، من دون خوف من توقيع غرامة عليه، وهو عالم أن في زيورخ وحدها، أربعة مساجد كبيرة يكرر فيها «الله أكبر» العديد من المرات يوميا!
لم يكن غريبا أن يخرج أحد سابق المعجبين بهذا الداعية، ليرد على مبالغات هذا «الغلبان»، لكي لا نطلق صفة اخرى عليه، بعد ان اطلع على الخبر في الصحيفة السويسرية، ليكشف أن ذكر نصف الحقيقة، هو الكذب بعينه، فخبر الجريدة يشير إلى وقوع جدال وصياح بين طرفين وبصوت عال في وسط الشارع، ما تسبّب في إزعاج الآخرين، فتم بالتالي تغريم أحدهم، وليس لأنه ذكر «الله أكبر»!
واستطرد الناشط عبدالله الحمدان في القول إن مبالغات «الغلبان» على مدى السنوات العشرين الماضية بعدم وجود حرية اعتقاد في أوروبا تتناقض مع كل تصرّفاته، فهو موجود حاليا فيها للدعوة للدين الإسلامي، ويزور جامعاتها ليحاضر فيها ويدعو للإسلام، فكيف يتفق هذا مع ما يدعيه؟ ولِمَ لم يتعرّض لأي تعسّف في المعاملة؟
وتساءل الحمدان عما سيحدث مثلا لو قام مسيحي عربي مثلا بالوقوف في وسط «الأفنيوز» والصياح بجمل وعبارات تدعو للمسيحية فهل سيُترك لحاله؟ ووجه الحمدان سؤالا مباشرا للغلبان عن موقفه لو طلب منه عالم مسيحي السماح له بإلقاء محاضرة في جامعة الكويت عن فضائل المسيحية، فهل سيسمح له؟
غريب أمر هؤلاء الناس، الذين يعتقدون أننا جهلة ونعيش في بلاد العميان، ولا نرى كل هذه الظواهر والمظاهر الدالة بوضوح على مدى تسامح الغرب وإنسانيته، وعميق إيمانهم بالعلمانية، وهنا نحن نتكلم بشكل عام، ولا شأن لنا بالتصرّفات الفردية السخيفة من هذا الطرف او تلك الجهة، فروح الدساتير الغربية المؤمنة بحقوق الإنسان هي التي تدفع ملايين المهاجرين، ومن مختلف الخلفيات والمشارب والمعتقدات، الى بذل المستحيل للوصول لسواحل بلدانهم، التي تعتبر ملاذا آمنا لم يصل اليها، فلا بلداننا ولا الصين ولا الهند ولا كل شرق آسيا وأميركا الجنوبية أو اي أرض أخرى تنافسها في حرياتها، ورقي تعاملها مع الآخر، ولو لم يكن هذا الداعية الغلبان يعرف ذلك ويؤمن به، لما ذهب الى عقر دارهم ليشتمهم ويهين معتقداتهم، وهو عالم بأنه سيعود الى وطنه آمناً سالماً!!
يقولون في بريطانيا: mr. awadi, you are a hypocrite.
أحمد الصراف