أحمد الحصّان والعجوز والبحر

هطلت أمطار غزيرة غير متوقّعة على الكويت قبل ثلاثة أشهر تقريباً، تسبّبت في وقوع خسائر مادية في الممتلكات العامة والخاصة، فكان لا بد من أن يدفع مسؤول ثمن غضب الطبيعة، فتمت التضحية بمدير هيئة الطرق، أحمد الحصّان، وتاليا بوزير الأشغال، من دون أن تعترف الحكومة بأن السبب الحقيقي يكمن في إهمالها لموضوع الطرق على مدى عقود!
* * *
كان سانتياغو صيادًا عجوزًا يحب البحر، ويعتمد في معيشته على صيد السمك، ولكن المحصول أصبح شحيحا، وتأثّرت بالتالي أوضاعه.
وفي يوم أبحر بقاربه كعادته، فدلّته الطيور على أماكن تواجد الأسماك، وكان عليه العودة بشيء ما، فقد كان بحاجة الى بعض المال. انتظر طويلا قبل أن يرى صنارته تغمز أو تتحرّك، وعرف من قوة الشد أنه اصطاد سمكة كبيرة، وقد لا يكون بمقدوره، وهو وحيد وفي تلك السن، أن يسيطر عليها. حاول جذب الخيط مجدّدًا، لكن السمكة كانت قوية، لدرجة أخذت تسحب قاربه بعيدًا عن الساحل، ولكنه تمسّك بالخيط بقوة، وهو يفكر في ما سيحصل عليه، إن سيطر على السمكة الكبيرة وأوصلها، بثمنها الكبير سيسدد كل ما عليه من ديون. كان يشعر بالإرهاق والجوع وبآلام في أصابعه من قوة شد السمكة الكبيرة للخيط، ولكنه أصر على المقاومة، وفجأة قفزت السمكة من الماء، ويا لهول حجمها، كانت أكبر سمكة مارلين رآها في حياته، بل أكبر حتى من قاربه المتهالك.
رؤيتها زادت من قوة عزيمته، فقرر عدم إفلاتها فلديه الوقت والماء والطعام، وسيتعبها ويجرّها معه، وهذا ما حصل، حيث استسلمت له في النهاية فضربها برمح قاتل وبدأ بجرّها خلفه.
بينما هو في طريق العودة قابلته أسماك القرش المتوحّشة التي جذبتها رائحة الدم النازف من سمكته، ليبدأ التحدي مجددا بينه وبينها، وبدأ سانتياغو بمصارعتها بكل ما تبقى لديه من قوة، لكنها انتصرت عليه في النهاية، فما إن وصل إلى الشاطئ حتى وجد أن ما تبقى من سمكته الحلم غير هيكل عظمي ضخم، تركه على الشاطئ، ليكون دليلا على ذلك انتصاره.. المبتور!
* * *
قصة العجوز سانتياغو لهمنغواي ذكرتني بقصة أحمد الحصّان، المدير العام السابق لهيئة الطرق. فقد سلمت حكومتنا الحصّان إدارة الهيئة بقانون صادر عن مجلس الأمة وبصلاحيات واسعة، بدت حينها كسمكة كبيرة، ربما أكبر من قاربه، وهذا ما جذب انتباه أسماك القرش التي بدأت منذ اليوم الأول بالنهش في صلاحياته، حيث رفضت وزارة الداخلية تسليمه حق إصدار إجازات قيادة المركبات. ورفضت قيامه بفحص السيارات فنيا. ورفضت حقه في إدارة إشارات المرور والتحكّم فيها. كم رفض الانصياع لطلبه بإدارة موازين الطرق. كما نازعته وزارة الأشغال في ما لديه من صلاحيات، وعندما لم يكتف الوزير الأخير بنهش لحم الهيئة قرر الاستيلاء عليها كلها وإلغاء قانون تأسيسها، وإعادتها الى وزارة الأشغال، ولكن سعيه فشل، وما إن وقعت كارثة المطر حتى استغلها في إعفاء الحصّان من منصبه، بعد أن أصبحت الهيئة هيكلاً عظمياً.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top