الإعلان المشبوه
انتشرت في الكويت في الأيام القليلة الماضية، حتى في المناطق الصناعية غير المطروقة، مما يدل على ما بذل من مال ضخم في نشرها، إعلانات مثيرة للدهشة والجدل والاستغراب الشديد، تبين شاباً ملتحياً يحمل بيده ما يبدو أنه نسخة من القرآن، وجملة «على نهجك مشيت»، ويرتدي قميصاً يحمل الكلمات الثلاث التالية: «محمد رسول الله» مكتوبة بنفس الخط والشكل الذي كتب به «داعش» شعاراته، وسطره على علمه الأسود طوال السنوات السوداء الماضية من تاريخه الدموي.
توقيت نشر مثل هذا الاعلان، مع قرب نهاية دولة خلافة ابو بكر البغدادي، يشي بأن في الأمر شيئا ما، وأن نشاطه مستمر في الكويت، وإن انتهى في العراق، ويكاد أن ينتهي خلال أيام في سوريا، وان الكويت ستبقى حصنه الحصين.
المثير أكثر في الموضوع يكمن في الجهات الثلاث، التي وقفت وصرفت الملايين على نشر هذا الإعلان، بدلا من توجيه ما صرف على أهداف أفضل بكثير.
فالجهة الأولى التي صرفت على هذا الإعلان هي «ركاز»، والغريب أن لها فروعا ومديرين وكوادر تبدو ضخمة، في دول خليجية، وصولا الى مصر والجزائر، وكل هذا لا يمكن أن يتم الإشراف والصرف عليه ببذخ كبير وإدارته بجهود فردية، بل لابد من وقوف ربما دول، وحتما أحزاب سياسية ذات أجندات محددة تمولها وتشرف عليها، وتقف وراءها. فما ورد في موقع ركاز مثلا من أنها تهدف الى الترويج للأخلاق وصقل الفكر والعقل واللسان، وتضبط النوازع المضطربة، وتصحح نظرة الإنسان إلى الحياة.. وغير ذلك من أهداف مبهمة، كرفع شعار التحدي بخطوات ثابتة نحو هذا الطموح، وهذه الغاية السامية التي في تحقيقها نجتهد ونكدح، وللوصول إليها نعمل، وكيف أن ركاز تهدف الى أن تصل حملاتها وبرامجها الإعلامية المتنوعة لأرجاء العالم أجمع مع عام 2020، من خلال أهداف واضحة تتمثل بتحفيز الأفراد والمجتمعات نحو تبني مكارم الأخلاق وتطبيقها، والعمل على تقديم النموذج الإنساني والمجتمعي لكل من ينشد الرقي الأخلاقي، الذي يجمع بين المثالية الحقة والواقعية الصادقة والتطبيق العملي بمنهجية سليمة مستمدة من ديننا الحنيف، لنصل إلى تحصين الإنسان والمجتمع في مواجهة كل ما يخالف الثوابت الأخلاقية …إلخ، وغيرها، لا يمكن ان تتم دون دعم حزبي ديني ضخم.
والأغرب من ذلك في هذا الإعلان مشاركة جهات شبه رسمية في الصرف عليه، وهذا ربما يحدث لأول مرة في الكويت، ويمثل مؤشرا خطيرا على تدخل جهات خارجية في عملية تشكيل الوعي لدى شباب الكويت، وبالتالي توجيههم نحو أهداف الجهة المعلنة، وهذا ما لا تسمح به الدول الأخرى حتما.
إن الأجهزة الرقابية في الإعلام والتجارة، وقبل ذلك مجلس الوزراء، مطالبون بوقف هذا الإعلان ومحاسبة من يقفون وراءه، ومنع هذا التدخل في أمورنا الداخلية، فقد سئمنا حقا من تحكم الأحزاب الدينية في مصير ابنائنا.
ملاحظة: أخبرنا الصديق القارئ سامي البحيري أن الأمانة الأدبية تتطلب منه القول إن محتوى مقال الأمس منقول من صديق. لذا اقتضى التنويه.
أحمد الصراف