من القضايا المسكوت عنها

تعتبر قضية غير معروفي النسب، أو اللقطاء، من القضايا المسكوت عنها في العالم الإسلامي، فلا أحد يود التطرّق الى قضيتهم، ولا معالجة أوضاعهم، وغالبا ما يلقون معاملة غير إنسانية، لذنب لا يد لهم فيه، ولديهم جميعا تقريبا مشاعر حرمان وغضب من مجتمع لم يرحّب بهم يوما، ولم يستطيعوا الاندماج به بصورة طبيعية، كما هو حاصل في كل دول العالم، فحتى الجهات الحكومية لا تعترف بوضعهم وتطلق عليهم صفة «ايتام»، وما هم بأيتام! وقد يقول قائل إن هذه التسمية أفضل وأكثر رحمة من تسمية لقيط، وهذا صحيح ولكنها تسمية كاذبة فهم لا يُعاملون كايتام، بل كـ «لا شيء»، فالقوانين لا تسمح بتبني اللقطاء ولا توفير بيئة سليمة لهم، ولا تسهل انخراطهم في المجتمع من دون عقد مسبقة.
وعلى الرغم من كل ما تضعه الجهات الحكومية في الكويت من عراقيل أمام تبنّي هؤلاء، فإن التبنّي، أو كما يسمى محليا «الاحتضان»، له من يطالب بتسهيله، لوضع حل جذري مستمر لهذه المأساة. فأسر كثيرة تسعى لتبني مجهولي الأبوين، واحتضانهم، والسعي لدمجهم في المجتمع لاحقا، وتجنّب إشعارهم بالاختلاف.
وعلى الرغم من أن عدد مجهولي الأبوين، ويكون غالبا الاب، حيث لا يسمح للأم في الكويت بالاحتفاظ بابنها، في تزايد، فإن القانون الذي ينظّم حياتهم يعود لأكثر من 50 عاما، والذي يجبر مجهول الوالدين، ذكرا كان او أنثى، على البقاء ضمن أسوار الوزارة في ما يشبه السجن حتى يبلغ الـ21 من العمر، ثم يسمح للذكور بعدها بالخروج والبحث عن عمل وطلب سكن وغير ذلك من حقوق، بعد أن يطلق عليه اسما رباعيا لا يحمل صفة محددة، ولا انتماء لأي من مكونات المجتمع، ومن دون لقب، ولا أعرف كيفية التصرّف مع الإناث، وحتما وضعهن أكثر مدعاة للشفقة.
يحتم القانون أن تكون العائلة المحتضنة كويتية، ومسلمة، تتمتع بسيرة وسمعة حسنة، ولا يشكو أفرادها من الاضطرابات العقلية والنفسية، بالإضافة إلى القدرة المالية، والإقامة الدائمة، لتسهيل متابعة الطفل المحتضَن. ويمنح غير معروف الأب الجنسية الكويتية، وتمنح الأسرة التي احتضنته علاوة رعاية، لتأكيد انتماء الطفل للدولة، وحقها في مراقبة نموه، وتستعيده في حال فشل الأسرة الحاضنة في توفير المتطلبات الضرورية له.
وعلى الرغم من كل ما يتم توفيره من عناية للطفل المتبنى فإن النظرة الاجتماعية الدونية لوضعه تبقى من دون تغيير، بسبب جهل المجتمع بأوضاعهم وعدم تقبّلهم، وبالتالي تتم معاقبتهم على «جريمة»، لا يد لهم فيها، علما بأن التبنّي يتم غالبا للأطفال وهم صغار، لا يعلمون حقيقة وضعهم، أما الغالبية فتبقى من دون احتضان، وهؤلاء هم الذين يعانون أكثر من غيرهم من شروط التبني المتشددة في غالبيتها، من دون معنى، ويحدث ذلك على الرغم من قصص التبني الناجحة، فمن أصل 600 حالة تبنٍّ حاليا، لا يسمح للأسر بأن تنسب الطفل لها ولا يرثها مطلقا! كما أن الجنسية التي تمنح لهم هي من مادة محددة تسهل التعرّف عليهم، وهذا يتضمن تمييزا «عرقيا» ضدهم، ويخالف ادعاءات الحكومة. كما ترفض الجهات المعنية تطبيق قاعدة بيانات الـ dna والبصمات عليهم للتعرّف على ذويهم. وبالتالي، فإن الحكومة مطالبة بوضع قانون يتواكب مع تطور المجتمع، وتسهيل التبني وعدم التخوّف من بعض الأمور «العنصرية أو المذهبية»، من دون سبب معروف.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top