«باك فير» backfire أو النتيجة العكسية
يقول إسحاق نيوتن، في نظريته العظيمة: لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة، ومعاكس له في الاتجاه.
* * *
بدأ الراوي حديثه بلغة إنكليزية سليمة، محاولا إقناع أكبر عدد ممكن من مستمعيه بصحة ما يقول: قرر مواطن سوري في عام 1955 الهجرة إلى أميركا. طلب من أسرته أن تلحق به بعد فترة قصيرة لحين انتهائه من إيجاد عمل وبيت. لحقت به أسرته المكوّنة من زوجة وثلاث بنات في رحلة مباشرة من دمشق إلى نيويورك، وهناك طلب منهن ضابط الأمن أخذ صور شخصية لهن لغرض إصدار بطاقات الهجرة green card. رفضت الأم خلع حجابها، وبعد جدال طال وافقت وابنتاها، ولكن «هالة بنت عتيق»، الثالثة والأصغر سنّا، أصرّت على الاحتفاظ به، حتى لو كلفها ذلك العودة من حيث أتت، وقالت لأمها وللضابط: إن حجابي جزء من ديني، ولن أخلعه. استمرت ضغوط أمها وأختيها عليها لفترة، ولكنها أصرت على موقفها المبدئي، فلم يكن أمام رجل الأمن إلا الرضوخ، وتصويرها بالحجاب. أثناء ذلك غادرت الطائرة التي كانت ستقلهن إلى مطار كاليفورنيا، واضطررن بالتالي الى الانتظار لساعات لأخذ طائرة الرحلة التالية، وأثناء ذلك كانت خلالها هالة هدفاً للوم وتهجّم الجميع عليها، ولكنها لم تكترث. ما إن وصلن إلى مطار كاليفورنيا بعد تأخير طال كثيرا، حتى فوجئن بوالدهن يستقبلهن، وهو غارق في دموعه، غير مصدق رؤيته لهن، فقد كان يعتقد أنه فقدهن للأبد، بعد أن سمع خبر سقوط الطائرة، رحلة 1919، التي كان من المفترض أن يستقللنها من نيويورك إلى كاليفورنيا، ووفاة كل ركابها الـ259! التفتت الأسرة حينها للابنة هالة وغمرتها بقبلات الشكر، فلولا إصرارها على الاحتفاظ بحجابها، الذي تسبّب في إقلاع الطائرة المنكوبة من غيرهن، لكُنّ جميعا في عِداد الأموات! تعالت التكبيرات وكلمات الدهشة والإعجاب من المستمعين للراوي، ولعظمة الحجاب! * * * من الطبيعي ألا يمتلك السذج غير الإعجاب بمثل هذه القصص الخرافية، التي يسردها راوٍ أميركي، خصوصا وهو يذكر وقائع مدعومة بأرقام وتواريخ محددة ليضفي مصداقية أكبر على قصته، كل ذلك للترويج للحجاب، وكأن كل مشاكلنا انتهت، ولم يتبق غير «حجابها» أو كأن الحجاب هو الذي سيقضي على جبال القضايا المعيشية المستعصية التي نعيشها. الحقيقة أنه لم تكن هناك في عام 1955 رحلات مباشرة بين دمشق ونيويورك، كما ذكر هذا الراوي الكذاب. وليس في أميركا مطار باسم مطار كاليفورنيا. ولم تكن طائرات عام 1955 تحمل كل هذا العدد من الركاب! نعم، كانت هناك رحلة تحمل الرقم 191، سقطت ومات كل ركابها، ولكن كان ذلك عام 1979، وليس 1955، رحلة شيكاغو لوس أنجلوس، وليس نيويورك كاليفورنيا! والآن، ما الذي سيكون عليه رد فعل من سبق واستمع الى هذه الرواية، وصدقها، عندما يكتشف كذب الراوي؟ ولماذا تدخَّل القدر وأنقذ الحجاب حياة هالة عتيق وأسرتها، ولم يتدخّل لإنقاذ حياة ملايين المسلمات المحجبات. قليلاً من احترام العقل أيها الجهلة! أحمد الصراف