ارحمنا يا دكتور

ذكر سياسي سابق وأكاديمي أسبق في محاضرة له ألقيت قبل عشر سنوات تقريباً، غلب على حضورها الانتشاء بما كان يسمع منه، ما يلي: «.. أربعة أرطال من مادة الآنثركس يحملها «فدائي» ويدخل بها من أنفاق «مكسيكو» إلى الولايات المتحدة كفيلة بقتل 330 ألف أميركي في ساعة واحدة، إذا أتقن نثرها على الوعاء السكاني هناك، ومقارنة هذه الفكرة المرعبة بأحداث 11 سبتمبر تجعل الأخيرة تبدو كسلطة!!.. ضحك من الجمهور». ويستطرد الأكاديمي السابق قائلاً، بنشوة ولا مبالاة واضحة، إن الفدائي هنا لا يحتاج إلى طائرات ولا مواعيد ولا مؤامرات، بل فقط لبعض البسالة وأرطال من الآنثركس وينثر المادة على السكان، لتصبح المسألة طماشة، أو مدعاة للتسلية!! لم تكن كلمته تلك بداية نثر كراهيتنا على الوعاء البشري بأكمله، كما أصبحنا نمارسه مع العالم أجمع تقريباً، بل كانت مرحلة من مراحل إظهار كراهيتنا للغيّر، وبالذات للشعوب التي نعتقد بأن حكوماتها أساءت إلينا أو ظلمتنا ولم تقف مع قضايانا. لست في معرض تفسير سبب كل الحقد والكراهية الكامن في نفوس البعض ضد شعوب العالم، وغالبيته العظمى من الأبرياء الذين لا ذنب ولا علاقة لهم بنا، بل لكي أبيّن أن لكل فعل رد فعل مساوياً له، وبالتالي فإن كل ما يرتكبه الحمقى والمتطرفون منا، أو يشجعون الغير عليه، سيكون له رد فعل مساوٍ له، أو يزيد عنه قوة وتطرفاً. وعندما لا نكون رحماء مع أنفسنا وقساة مع أشقائنا، فإن هذا سيشجّع أعداءنا على استباحة أعراضنا ويهون عليهم سلب حرياتنا وإنهاء حياتنا، كما حدث في مذبحة «كرايست تشيرش» في نيوزيلندا وغيرها. فهذا المجرم الذي لا يمكن لأحد يملك ذرة من العاطفة والعقل تبرير فعلته، ربما سمع ما قاله «مفكرونا» وعلماء ديننا، وسياسيونا. وحتماً، سمع بالكم الكبير من تفجيرات مساجد بعضنا بعضاً، واستسهالنا سفك دماء بعضنا بعضاً، وبالتالي هانت عليه حياة المصلين المسلمين، وهانت عليه عملية قتلهم، وهم الذين لم يرحمهم، حتى بنو جلدتهم. لقد قتل هذا المجرم الأسترالي خمسين مسلماً بريئاً، وهو يمارس ما أطلق عليه «الإرهاب الأبيض»، ولكننا لم نقصّر في ارتكاب كل ألوان الإرهاب الأخرى بحق الغير، وقبلها بحق أنفسنا.. وإلى أن نقرر أن يرحم بعضنا بعضاً، فيجب أثناءها ألا نتوقع أن يرحمنا الآخرون.. برحمتهم!! هذا ليس تبريراً لما ارتكب من إجرام بحقنا، ولا تبريراً لازدياد موجة الكراهية ضد المسلمين، أينما كانوا، ولا حجراً على كلام هذا الأكاديمي وغيره من متطرفينا، بل هو مجرد تذكير بأن من حق الغير أن يكرهنا ويحاربنا طالما أعطينا أنفسنا الحق في أن نكره ونعادي ونحارب ونصب جام غضبنا ولعناتنا عليهم.

أحمد الصراف 



الارشيف

Back to Top