هل تود أن تشعر بالأسى..؟ اقرأ هذا المقال..!
يعود قانون تأسيس هيئة الفتوى والتشريع لما قبل ستين عاماً، وكان الهدف خلق جهاز يُوكل إليه الدفاع عن قضايا الدولة داخليا وخارجيا، وإبداء الرأي القانوني في ما يعرض عليها من خلافات بين جهات الدولة والغير، ومراجعة أو صياغة مشاريع القوانين التي تقدّم من الحكومة أو البرلمان.. وبالتالي كانت تضطلع بدور مهم وخطير في حياتنا. ومنذ 1959 وجهازها الفني المكوّن من خبراء في القانون ومحامين ومستشارين وقضاة سابقين ينمو نموا طبيعيا ووصل عددهم في الفترة الأخيرة، وعلى مدى ستين عاما، إلى 430 محامي دولة في مختلف التخصّصات، يعاونهم عدد يزيد قليلا للقيام بالشؤون الإدارية والخدمات وغيرها. وفجأة، وبجرة قلم، قام الوزير أنس الصالح بالموافقة على تعيين 440 محاميا جديدا في الهيئة! وهنا قامت ضجة لم تخمد نارها على هذه التعيينات، وأشيع أن الواسطة تدخلت في اختيار البعض، رغم خضوع كل من تقدم، وعددهم يقارب الألف، لمقابلات شخصية واختبارات قدرة وكفاءة (!!). وسنقبل ذلك على مضض، ولكننا نعرف أن الغالبية قُبلوا إرضاء لجهات معروفة، وتم استبعاد غيرهم، كما أشيع، وقام نائب مثير للجدل، بالاعلان عن استعداده لتبنّي قضية المستبعدين، من المميزين، والدفاع عنهم. المشكلة ان الجميع ركّزوا على طريقة الاختيار وما شابها من عوار، ولم يلتفت أحد الى حقيقة أن الفتوى لم تحتج طوال تاريخها الممتد لستين عاما لأكثر من 430 محامياً للقيام بما هو منوط بها من مهام وواجبات، فكيف أصبحت فجأة بحاجة الى 440 محاميا جديدا، في الوقت الذي لم يطرأ على طبيعة عملها اي تغيير ولم تحدث كارثة قضائية أو موجة تشريعات، أو استقالات، تتطلب تعيين كل هذ العدد من «محامي الدولة»؟! والمؤلم في هذا الوضع ليس فقط ان الهيئة ليست بحاجة حتما لكل هذا العدد من «المحامين»، خاصة أن نسبة كبيرة منهم قد لا يصلحون مهنيا لشيء أصلا، مع الاحترام لشخوصهم، بل ايضا ليست هناك اماكن عمل تكفي لاستيعاب كل هذا العدد من المحامين الذين ستوكل إليهم قضايا خطيرة مستقبلاً لتولّي مهمة الدفاع فيها عن المال العام ومصالح الدولة. كما ليس لدى جهاز الهيئة الوقت والقدرة على تدريب كل هذا العدد الكبير من المحامين الجدد في غالبيتهم، والأخطر من ذلك أن ولاء البعض من هؤلاء سيكون للجهة التي قامت بالتوسّط لتوظيفهم، ومن المحتمل جدّا ان يتسلّم بعضهم مستقبلاً قضايا للفصل أو البت فيها، او حتى إبداء الرأي بها، وتكون الدولة ومصالحها طرفا، والطرف الآخر من قام بالتوسّط له وتعيينه.. فلمن سيكون ولاؤه؟ غريب وغير مسبوق ما يجري في دولة العجائب.. هيئة حكومية تعمل بكفاءة بـ 430 محاميا، فيقوم وزير ويزيد عددهم بأكثر من الضعف لتنشغل الإدارة بهم وبترتيب أماكن لهم وتدريبهم وتوزيع المهام عليهم، وسيكون كل ذلك على حساب سمعة الهيئة، وبالتالي الدولة.. وسلِّم لي على العدالة!
أحمد الصراف