إضاءة كبيرة في ليل بهيم.. هل راح وقت المزاح؟

أحسست، وللمرة الأولى منذ سنوات طوال، بشعور طاغ من السعادة، خالٍ من الشماتة، يغمرني وأنا أقرأ قائمة شركات المقاولات والمكاتب الهندسية الاستشارية التي قامت لجنة المناقصات المركزية، بقرار حكومي عال، بحرمانها من المشاركة أو الدخول في أي مناقصات مستقبلا، على الأقل للسنوات الأربع المقبلة. وعلى الرغم من عدم معرفتي التامة بما ارتكبته تلك الشركات والمكاتب من أخطاء، بخلاف مكتب هندسي معروف بمخالفاته الجسيمة، إضافة إلى شركة مقاولات كبيرة بسبب تاريخها المهني البائس، فإنني أعرف تماما أن حكومتنا «الطيبة القلب» لا يمكن أن تتخذ مثل هذا الإجراء القاسي في حق أصحاب هذه الجهات، وبينهم زعماء أحزاب دينية، طالما استغلوا زعامتهم ونفوذهم الديني السياسي للحصول على الدسم من المشاريع، وغالبا من دون وجه حق، لو لم تكن الحكومة على ثقة تامة بفداحة أخطائهم، التي لو ارتكب ما يماثلها في دول أخرى، لكانت العقوبات الشديدة تطول رؤوس كبار مرتكبيها، وبالتالي كان سخيفا ولا يخلو من اللؤم ما صدر عن أحد هؤلاء المتضررين من تساؤل عمن سيقوم بتحمّل تكلفة قرار إيقاف مكتبه من المشاركة في المناقصات، مشيرا بخبث إلى أن القرار صادر عن جنان بوشهري، وهو عالم تماما بأنه يتجنّى على إنسانة نزيهة ومخلصة، فقرار بهذا الحجم والخطورة لا يمكن أن يتخذه وزير بمفرده، مع احترامنا لمعالي الوزيرة! كما يجب ألا ننسى أن الشهادة الهندسية التي يحملها بعض أصحاب هذه المكاتب المتضررة، تخولهم فتح كراج صيانة مكائن أو العمل في مصافي البترول، وليس في إدارة مكتب هندسي لديه مشاريع أعمال بعشرات ملايين الدنانير، وافتخر أحدهم، يوماً، بأن من يعمل لديه من مهندسين فقط تجاوز المئتين. من حق هؤلاء التساؤل عمن سيدفع تكاليف قرار إيقاف مكاتبهم أو شركاتهم، ولكن من حقنا أيضاً أن نتساءل عن الجهة التي ستدفع تكاليف إصلاح الأضرار الهندسية الكبيرة التي تسببت بها أخطاء شركات مقاولاتهم، ومكاتبهم الهندسية، وإشرافهم الكارثي؟ إن صدور وتنفيذ قرار وقف الشركات والمكاتب الهندسية عن المشاركة في أي مناقصات حكومية يعتبران في حكم الزلزال الأخلاقي في دولة عرفت تاريخيا بتغاضي معظم مسؤوليها عن هفوات وأخطاء الكثير من شركات المقاولات والمكاتب الاستشارية، وتسامحها ربما حتى مع جرائمهم، أقول ذلك من واقع خبرتي المصرفية الطويلة وعملي في المقاولات لفترة قبل أن أتركها لمن يعرف كيف؟ ولماذا؟ ولمن يدفع؟ وبالتالي تجب مباركة هذه الخطوة لعلها تكون البداية في محاربة الفساد المستشري في قطاع مهم، كان الأكبر والأسبق تاريخيا، في التلاعب بحقوق الدولة. كما تجب إعادة النظر، وحتى الإلغاء، في كل رخص المكاتب الهندسية التي يملكها من لا يحمل شهادة في الهندسة المعمارية، أو على الأقل في الهندسة المدنية، أما ما نراه الآن من فوضى وتسيّب فيجب أن ينتهيا.. نقول ذلك متمنين أن يكون «راح وقت المزاح»!

أحمد الصراف 



الارشيف

Back to Top