أبو جاسم ورامشندرا
تقول فاطمة انها التقت في مقهى يتبع فندقاً نيويوركياً صغيراً بشخص عرف نفسه بأنه «رامشندرا»، وهو صاحب المقهى والفندق، وقال انه من الهند، وأنه لاحظ من لهجتهم أنهم من الكويت، وكان يتمنى منذ فترة اللقاء بأحد من مدينة عاش فيها وأحبها، ليظهر امتنانه وتقديره للسنوات التي قضاها فيها. وهنا طلبت منه فاطمة أن يشاركهم الجلسة ويخبرهم بقصته، فقال انه ذهب الى الكويت في منتصف الثمانينات ليعمل في شركة تنظيف كويتية أوروبية، وكان المشرف على العمال فيها كويتياً يدعى «أبوجاسم» وكان رجلا حازما وأمينا وصاحب ضمير في عمله، ولم يكن يترك موقع عمل من دون ان يتأكد بنفسه من أن المهمة تم أداؤها بصورة مثالية، وعندما كان لا يرضى كان يجبرهم على إعادة تنظيف المكان لمرات عدة قبل أن يوافق عليه. وقد علمهم الكثير، وبيّن لهم دقائق جمع القمامة وتنظيف الأرضيات والأسطح، وتدربوا على أن يتقنوا كل عمل يؤدونه، وانه شخصيا استفاد منه كثيرا، وقال رمشندرا ان اخلاصه في عمله شجع شركة التنظيف التي يعمل بها، وبتوصية من «أبو جاسم» لأن ترسله، وبعض زملائه، لدورة تدريبية في الخارج لبضعة أسابيع، وهناك تعلم فنون التنظيف الدقيق والسريع، وأنواع مواد التنظيف وغرض كل منها، وبالذات الكيماوية، والكميات المناسبة لكل غرض وأماكن استخدامها وشروط التنظيف وطرقه، وكيفية تحضير قوائم التدقيق واستخدامها check list، وغير ذلك الكثير، وقال انه لم يكن يعتقد أن هناك كل هذا الكم الذي لم يكن يعرف عنه شيئا، ومن هنا بدأ احترامه لعمله، وأصبح يتقنه، وتوقف عن الشعور بانه يؤدي مهنة متواضعة، وبعد فترة أصبح مشرفا على عدد من العمال وكان يمكن ان يصبح مشرفا عاما، ويحل محل أبو جاسم، لولا أن وقع الغزو، فاضطر لترك الكويت التي احبها، والعودة لوطنه، وهناك وجد طريقة وصل فيها لنيويورك، ومن واقع سابق خبرته في التنظيف وما كونه من مال، حصل على عقد تنظيف صغير، وتطور مع الوقت واصبحت عقوده اكبر، وكون ثروة مكنته من شراء فندقه والمقهى الملحق به. وقال انه سيحاول يوما زيارة الكويت، وشكر أهلها، وابو جاسم بالذات، على معروفه وحسن تعامله واخلاصه، وما تعلمه منه من تفان وصبر! وهنا قالت له فاطمة ان «ابو جاسم» قد توفي! فقفز رامشندرا من مكانه كالملدوغ وسألها فزعا: هل تعرفينه؟ فقالت له: ليس حقيقة، ولكن ابو جاسم الذي كنت تعرفه قبل أكثر من عشرين عاما قد توفي، واخذ معه الاخلاص في العمل والوفاء والدقة والأمانة، بعد أن خربت «الإدارة» من تبقى بالزيادات والعلاوات، ونفخت في كوادره، وأن الإخلاص في العمل أصبح عملة نادرة.