دوريس العجيبة

عندما كنت مجرد طفلة صغيرة سألت أمي: ماذا سأكون عليه عندما أكبر؟ هل سأكون جميلة؟ هل سأكون غنية؟
هذا ما قالته لي أمي: كي سيرا سيرا.. كل ما سيكون عليه المستقبل سيكون، ليس لنا أن نراه.. كي سيرا.. سيرا.. ما سيحدث.. سيحدث! وعندما كبرت ووقعت في الحب، سألت حبيبي:
ماذا ينتظرنا، هل ستكون حياتنا أقواس قزح يوما بعد يوم؟ وهذا ما قاله حبيبي: كي سيرا سيرا، كل ما سيكون سيكون، المستقبل ليس لنا أن نراه، كي سيرا سيرا.. ما سيحدث.. سيحدث. الآن لدي أطفالي وهم يسألونني: يا ماما ماذا سنكون عليه عندما نكبر؟ هل سنكون وسيمين؟ هل سنكون أغنياء؟ فأرد عليهم بحنان: كي سيرا سيرا.. كل ما سيكون سيكون، فالمستقبل ليس لنا أن نراه، كي سيرا.. سيرا.. ما سيحدث.. سيحدث، كي سيرا سيرا.
***
لا أدري عدد المرات التي استمعت فيها واستمتعت لهذه الأغنية البسيطة وكم رددتها بصوت عال في الحفلات، منفردا أو مع آخرين، ولكني أعلم بأنني لا أزال استمتع بها وبلحنها الجميل، وكانت من اروع واشهر أغاني الأميركية الراحلة دوريس داي، التي غادرتنا قبل أسابيع قليلة عن 97 عاما، لم تقضِ منها شيئا في البر والتقوى، فقد كانت حياتها سلسلة من الزوابع وقصص الفشل الأسري. ولدت دوريس عام 1922، وكانت في ستينيات القرن الماضي، بابتسامتها الآسرة، وشعرها الأشقر الجميل وصوتها الرائع، تمثل مصدر سعادة لكل من شاهد افلامها أو استمع لأغانيها. كنا نرى الابتسامة الدائمة وصفا من الأسنان البيضاء المتلألئة، ولم نكن نرى الحزن والفشل والتعاسة في حياتها، فهذا ما لم يكن يخطر على بالنا. عاشت دوريس حياة طويلة، ممتلئة بالأحداث المؤلمة والتورط في ديون مالية كبيرة نتيجة زيجات فاشلة، ولكن بالرغم من طول عمرها الذي قارب المئة، فإن النهاية كانت غير سعيدة، وهذا ربما ما دفعها في مرحلة من عمرها لتكريس جل وقتها، وما بقي لديها من مال، للعناية والدفاع عن حقوق الحيوان، بعد ان وجدته اكثر وفاء، واستحقاقا للحب.. من الإنسان. مثلت دوريس أجمل ادوارها السينمائية مع الممثل روك هدسون، وكنت ألاحق افلامها بين سينما الفردوس ودور سينما بيروت، وكنت استمتع بمشاهدتها، وتاليا في مسلسلها التلفزيوني الشهير. كانت ممثلة عادية، تمثل الزوجة اللطيفة والمخلصة، ولم تكن لأدوارها علاقة بحقيقة حياتها الصاخبة. فبالرغم من أن دوريس كانت يوما الممثلة الأولى في شباك التذاكر، فإن هوليوود لا ترحم، فقد رمتها وتجاهلتها عندما كانت في أمس الحاجة لاي مبلغ يسد ما تراكم عليها من ديون. نعيد ونقول إنه من المهم أن نعرف كيف نعيش، ومهم أكثر أن نعرف كيف ستنتهي عليه حياتنا، فكل ما نحققه من نجاح في حياتنا لا يعني شيئا إن فشلنا في الاحتفاظ بشي منه لآخر أيامنا.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top