الجريمة الثانية

يسعى المتشددون دينياً والمتخلفون اجتماعياً الى الحد، بكل قوتهم، من دور المرأة في المجتمع، وتهميشها وإعادتها لسلطة وسيطرة الرجل، كما كان الحال لقرون عدة. وقد نجح هؤلاء قبل أكثر من عقدين، وبدعم حكومي، في تخفيض سن تقاعد المرأة العاملة، لكي تجلس في بيتها وتغرب عن وجوههم الكالحة، وهي في قمة البذل والخبرة والعطاء، وكان لهم ما أرادوا ودفع المجتمع، ومؤسسة التأمينات، ثمناً مادياً ومعنوياً عالياً. كانت تلك الجريمة الأولى، بعد العشرة آلاف في حق المرأة. أما الجريمة الثانية، بعد العشرة آلاف، فقد تمثلت في ما تسعى إليه اليوم نفس قوى التخلف لتشريع قانون، ظاهره الرحمة وباطنه قمة الظلم والرجعية، وبدعم حكومي واضح، يدعو إلى منح المرأة الكويتية العاملة راتباً كاملاً من دون أن تعمل شريطة بقائها في بيتها، وعدم الالتحاق بأي وظيفة كانت في القطاع الخاص، ومنعها من ممارسة أي نوع من النشاط التجاري أو فتح مؤسسة خاصة، أو أن يكون لديها سائق خاص (!!). وورد في المقترح أن هذا القانون، إن أُقر، فسيساهم في تقوية أواصر العائلة ويقلل من حالات الطلاق(!!) ولا أدري كيف عرفت الحكومة أن من أسباب زيادة معدلات الطلاق عمل المرأة في وزارات الدولة، وعدم «جلوسها» في البيت، من دون التطرق الى الأسباب الحقيقية وراء ارتفاع معدلات الطلاق في الكويت، والخليج عموماً، التي تعود بشكل أساسي إلى الظروف البائسة التي يجري بها زواج الأغلبية، والتي لا تتضمن أو تسمح بأي معرفة حقيقية بين الطرفين، وعندما يجري اللقاء الحقيقي والزواج تحدث الصدمة، فيقع أبغض الحلال، أو الطلاق، خصوصاً إن كان المشروع أساساً مبنياً على أمور لا علاقة للرحمة والحب والمودة بها! هذا القانون، إن أُقر، فسيخلي الوزارات من نسبة كبيرة من العاملات الجيدات الأكثر بذلاً في العمل الوظيفي من الرجل، والأكثر دقة في الأداء، والأهم من ذلك الأقل فساداً. لا شك في أن هناك نسبة من السيدات العاملات اللاتي بحاجة إلى البقاء في البيت وتسلم راتب الوظيفة، ولكن الأمور لا تقاس بالنوادر، بل بالعموم، والعموم سيتضرر اجتماعياً ونفسياً ضرراً كبيراً، فجلوس المرأة في بيتها ليس رحمة بها بالمطلق، هذا إن جلست في البيت ولم تقض وقتها في الدوارة والزوارة، والمرور على أفضل المقاهي وأجمل المولات وصرف الراتب المجاني على شراء آخر الموديلات، وتحولها من كائن عامل منتج له دور وقيمة في المجتمع إلى إنسان سطحي تغلف السخافة أغلبية تصرفاته وأحاديثه، ويكون كل هم المرأة حينها الأكل والشرب والنوم... وربما المساهمة قليلاً في عملية التكاثر. الدول العظمى تشجع جميع فئات المجتمع على العمل والمشاركة في الإنتاج، وإضافة شيء للاقتصاد. أما نحن، فنفعل العكس، لأن لدينا «كم دينار فائض»، لا نعرف كيف نتصرف بها، وبالتالي نشغل حالنا بالطلب من نصف القوة العاملة العودة إلى البيت، وراتبها سيلحقها لحسابها في البنك كاملاً. صاحب هذا الاقتراح، أياً كان، لا يريد الخير للمرأة، وبالتالي لا يريد الخير للكويت. أحمد الصراف 

الارشيف

Back to Top