أنا وشريعة البغدادي
إن أقر مجلس الأمة قانون تنظيم مهنة المحاماة بصورته المقترحة، فسيواجه الآلاف من خريجي كلية الشريعة، من الحالمين بالعمل في المحاماة، وان يصبحوا وكلاء نيابة، شبح البطالة. فمقترح هذا القانون ينص على استبعاد خريجي هذه الكلية، التي لم يكن يجب أن تسمى كلية اصلا، من هذه المهنة. فيما كشف رئيس جمعية طلبة كلية الشريعة أحمد العازمي لـ القبس عن حصوله على دعم عدد كبير من النواب لرفض مقترح استبعاد خريجي الشريعة من مهن المحاماة. كما أشار إلى أن عشرة نواب وقعوا على وثيقة لمنع ادراج القانون اصلا على جدول أعمال المجلس، وإبقاء الوضع السخيف الحالي على ما هو عليه. وفي هذا الصدد، أعرب بعض أساتذة القانون وعمداء شريعة عن قلقهم من تشبّع سوق العمل بحملة شهادات الشريعة، وكيف أن مشكلة هؤلاء لن يحلها القانون الجديد حال إقراره، بل ستزداد المشكلة تعقيداً في السنوات المقبلة، مع استمرار توجّه الطلبة لدراسة الحقوق في الداخل والخارج، مشددين على أن الكثير من خريجي «الشريعة» يعملون في السلك القضائي، ولم يكن غريبا بالتالي استنكار العمداء قرار منع خريجي الكلية من العمل في المحاماة، مشيرين إلى أن نقص التأهيل للوظائف القانونية يمكن تجاوزه بالدورات والتدريب (وهذا اعتراف منهم بنصف كفاءة هؤلاء). فيما سيؤدي إقرار القانون بشكل مفاجئ إلى اهدار سنوات الدراسة لعدد كبير من الطلبة، الذين اعتبروا الكلية بوابة عبور إلى العمل القانوني، وطبعا هذا كلام مضحك، ولا قيمة له. وبالرغم من حقيقة أن خريجي الفقه وأصوله أكثر قرباً إلى التشريعات القانونية، فإن دراستهم الدينية ابعد ما تكون في الوقت نفسه عن مهنة المحاماة، ووجود خطأ في قبول خريجي الشريعة أساساً كمحامين لا يعني استمرار هذا الخطا للأبد. أما ما يشيعه البعض من المتشددين دينيا من أن أصل القانون شرعي، والمفترض أن تكون جميع قوانين الدول الاسلامية وفق أحكام الشريعة الاسلامية، وبالتالي فإن خريجي الشريعة أقدر من غيرهم على فهم القوانين وتطبيقاتها، قول مضحك آخر لا يستند لأي أساس. فالقوانين المتصلة بالشريعة لا تمثل شيئا في قوانين الجزاء، العمود الفقري للنظام القضائي. لقد سبق أن ضغط «نواب نوائب» على الحكومة الضعيفة قبل 30 عاما تقريبا لتقبل بفصل الشريعة عن كلية القانون، وكان لهم ما أرادوا، وكانت تلك طامة. ثم ضغط «النواب النوائب» أنفسهم، او ابناؤهم وخلفاؤهم، على الحكومة الضعيفة ثانية قبل 20 عاما تقريبا، وأجبروها على قبول توظيف خريجي الشريعة في سلك المحاماة والنيابة العامة، فكانت طامة أكبر وكارثة قضائية واجتماعية وأخلاقية سيدفع الجميع ثمنها، حيث دفعت بالآلاف، من غير القادرين على دراسة القانون، أو غير الراغبين في بذل جهد كبير في الدراسة، للالتحاق بكلية الشريعة، الأكثر سهولة، لكي يصبحوا محامين وفي النيابة بأسهل الطرق. لقد كنت، والراحل أحمد البغدادي، أكثر من كتب منتقدا قرار السماح لخريجي كلية الشريعة بالعمل في سلك المحاماة والنيابة العامة، لما مثله ذلك من خطورة على تطبيق العدالة، وعلى مستوى المهنة بشكل عام، وما سيتسبب فيه من ضرر للكثيرين من المتقاضين، ويخلق حالة من التنافس الشديد بين هؤلاء، خاصة مع الزيادة الكبيرة المتوقعة في أعداد هؤلاء، وما يضاف لهم سنويا من خريجي جامعات لا يتمتع خريجوها بمستوى أكاديمي معقول، وبالتالي نتمنى أن يعدل قانون ممارسة المحاماة ليتفق مع المنطق المعمول به في كل الدول التي تحترم نفسها! أحمد الصراف 
الارشيف

Back to Top