كيف ضاعت الأحلام؟!
من أجل أن يذهبوا للجنة في السماء، حولوا الأرض إلى جحيم ..! (كارل پوپر) *** يعتقد المفكر المغربي أحمد عصيد أن الأمة العربية والإسلامية شهدت مع نهاية القرن الـ19 وبداية القرن العشرين، وتزامنا مع انهيار الإمبراطورية العثمانية السيئة السمعة، حركة فكرية ثقافية دينية مجددة على يد محمد عبده والأفغاني والكواكبي وغيرهم، وكادوا أن ينجحوا في تنبيه المسلمين لتخلفهم، ودفعهم للالتحاق بركب التقدم الذي رأوه في أوروبا، والاقتداء بتجاربها السياسية والصناعية وغيرها. تبين للقوى الاستعمارية التي حلت محل الدولة العثمانية في حكم الدول العربية خطورة حركة هؤلاء المجددين، فتصدت لهم بطريقتها، حيث شاركت عام 1928، او ساعدت في دعم جهود حسن البنا لتأسيس كيان حزبي محافظ باسم «الإخوان المسلمين» يكون دوره التصدي لحركة المجددين، وقلب مناداتهم المتمثلة بالاقتداء بالغرب إلى المناداة بأن «الإسلام هو الحل»، وبأن في عودتنا للماضي سنجد حلا لكل مشاكل الأمة من فكرية وتكنولوجية وسياسية واقتصادية وغيرها. وهكذا نجحت حركة الإخوان، خاصة بعد تضامنهم مع غيرهم من أحزاب متشددة، وما تفرع منهم ومنها في وقف تقدم الأمة، وإشغالها بخلافات وحروب دينية ومذهبية عدة ووقف اندماج المسلمين الحضاري مع المجتمعات الغربية بحجة أنها كافرة! وبالرغم من مرور 91 عاما على تأسيس الإخوان، وأكثر من ضعفي ذلك على الحركة الوهابية، فإن جميع الحركات الإسلامية فشلت فشلا ذريعا في تقديم مشاريع دساتير أو حلول عصرية مكتوبة وقابلة للنقاش «مانفيستو» يمكن على اساسها معرفة فلسفتهم، إن وجدت، وحقيقة مواقفهم من عشرات القضايا الحيوية والخطيرة، فقد كانوا طوال هذه الفترة منشغلين بتغيير الحكم والوصول له من دون أن يعدوا أنفسهم للحكم، ولهذا نجد غلبة الضحالة على كل مفكريهم تقريبا. وبالتالي لم يجدوا ردا على من اتهمهم بالخواء الفكري غير القول إنهم سيكشفون عن خططهم في الحكم متى ما وصلوا إليه، وأن لهم برامجهم التي ستوقف اعتمادنا على الغير لحماية أمننا الوطني والغذائي والصحي، فما هي خطة الإخوان للتحرر من قبضة القوى الغربية واعتمادنا الكلي عليها؟ هل لديهم برامج تتعلق بالاكتفاء الذاتي في اي مجال كان؟ ما هو موقفهم من ملايين المواطنين غير المسلمين، وهم الذين يدعون إيمانهم بصناديق الاقتراع والديموقراطية؟ وكيف يؤمنون بالديموقراطية ولا يقبلون بوصول مسيحي مثلا لقيادة الجيش أو رئاسة الدولة؟ إن هذه الازدواجية في المواقف قاتلة، ويصعب على حزب شبه بدائي كحزب الإخوان التصدي لحلها، فهؤلاء يريدون أكل الكيكة والاحتفاظ بها في الوقت نفسه. واحد وتسعون عاما لم يفعل فيها حزب الإخوان بالذات، وجيش «مفكريه»، شيئا غير المناداة بالعودة للإسلام من دون أن يقدموا خلال هذه الفترة مشروع حكم واحدا واضحا لبناء الدولة، وحتى في مصر، التي حكموها لعام كامل بغباء، وعاثوا فيها خرابا، وفقدوا الحكم بغباء أكبر، لم يقدموا شيئا طوال تلك الفترة، غير علب الزيت وأكياس الطحين المجانية، كسبا لأصوات الفقراء الانتخابية. وبالتالي كل من ذكر أن رياح الصحوة الإسلامية التي قادتها جماعة الإخوان المسلمين ستعيد للأمة الأمل من جديد وتبعث الإسلام الصحيح المعتدل والنقي، وتخلصه من مظاهر الشرك والعبودية، واهم لا يعرف ما يقول. فلا يمكن الاعتماد على حركة إرهابية ملطخة اليدين بدماء الأبرياء، وشعارها يشي بسوء نواياها، أن تعيد للأمة آمالها، ولو كان بمقدورها ذلك لكنت أول من سيقف معها. أحمد الصراف