فريدمان وعثمان
ذكر توماس فريدمان في مقاله الأخير في «نيويورك تايمز» أنه كان يشاهد المناظرة بين مرشحي الحزب الديموقراطي الأميركي لمنصب الرئيس في الانتخابات المقبلة، ومع نهايتها سأل المنسق المرشحَين سؤالاً محدداً، وطلب من كل مرشح الإجابة عليه بكلمة واحدة: من، أو ما هو أكبر تهديد يهدد أمن أميركا اليوم؟ وقال إنه أجاب بنفسه على السؤال بأن التهديد ليس الصين ولا روسيا ولا حتى إيران، بل «نحن»!، فقد أصبحنا كأميركيين نمثل أكبر تهديد لأنفسنا ووطننا. ما قاله فريدمان ينطبق كذلك علينا كشعب صغير في الكويت، في كويت كانت يوماً تمثل شيئاً في محيطها الصغير، وأصبحنا مؤخراً نستسهل نهش سمعة وطننا ونستبيح مصالحه، وينهش دون تردد بعضنا لحوم بعض، من أجل المنصب والدينار. من روَّجَ أو حتى فكر في موضوع عدم أهليتنا واستحقاقنا لنعمتي الحرية والديموقراطية ربما كان على حق، ونجح معه من خطط لأن نصل إلى هذه القناعة. فما حدث في الاستجوابات الأخيرة في مجلس الأمة وكم المهاترات التي جرى تبادلها بين النواب وأعضاء الحكومة وبعضهم بين بعض، واستعداد الغالبية لبيع الوطن وحقوقه ومصالحه ومصيره بأبخس الأثمان، بينت جميعها أن أي وضع آخر لن يكون أكثر سوءاً مما نحن عليه الآن، في ظل ديموقراطية مزيفة ومشوهة. عام 1993 قال عثمان عبدالملك الصالح المبيض الخبير الدستوري الراحل: «إن مكامن الحرية هي: ضمائر حية، وقلوب زكية، وعقول ذكية.. فإن خمدت روحها في مكامنها، فلا دساتير تنفع ولا قوانين تردع، ولا محاكم تمنع من أن يحل محلها القهر والاستبداد والحجر، فينكمش الصدق وتتوارى الشجاعة ويسود الجبن.. وينزوي الوفاء، فتنشط الخيانة.. وينكس العدل رأسه ويعم الظلم.. وتتعالى صيحات النفاق وتغني شياطينه على أنغام الطبقية والمحظوظية والمحسوبية قصائد المدح الوثني الذي يمتهن آدمية الإنسان ويزري بالمادح والممدوح.. ويتغذى على هذه الثمار الخبيثة أبالسة النفاق وسادة المشعوذين المسبحين قياما وقعودا وعلى جنوبهم ابان الليل وطوال النهار، بذكاء المستبد ونفاذ بصيرته.. فيقع المجتمع في عثرة قاتلة مهلكة تودي به إلى قعر التدني وقاع الهبوط وتدفع به إلى أسفل سافلين». تذكرت هذا النص، وتمنيت أن يقرأه كل صاحب ضمير ويفكر في الوضع المتردي الذي وصلنا له، والمصير السيئ الذي ينتظرنا، وهل نحن بالفعل نستحق الحياة الديموقراطية، مع كل ما نبديه من إصرار على أن تكون المؤشرات التي تتحكم في تصرفاتنا، والتي توجه بوصلة معظم نوابنا هي إما عنصرية وإما قبلية وإما طائفية؟! أحمد الصراف