الشيخان الأميركيان: بقلم أحمد الصراف
هذا هو عنوان كتاب وضعه مؤخراً الباحث والخبير في البحرية الأميركية براين فان ديمارك brian vandemark، ويتعلق بتاريخ تأسيس الجامعة الأميركية في بيروت عام 1866، التي تطورت من مؤسسة متواضعة تسمى «الكلية السورية البروتستانتية»، لتصبح بعد 90 عاماً الـ «الجامعة الأميركية في بيروت»، الصرح التعليمي الأكثر وقاراً وشهرة وأهمية في الشرق الأوسط. ظروف تأسيس الجامعة ذكرتني بقصة تأسيس مستشفى الإرسالية الأميركية في الكويت قبل 100عام، فالخلفية الدينية وهدف المؤسستين واحد، وقد نجحتا في دورهما التعليمي والطبي، ولكنهما فشلتا في إقناع أحد تقريباً بفكرتهما الدينية، ومع هذا لا نزال نخاف من أن «ينزكم» الدين من الهواء البارد، إن سمحنا لمثل هذه المؤسسات بالتواجد في دولنا، وهو الرفض الذي تسبب في خسارتنا علمياً وأخلاقياً للكثير. كما بيّن وجود هذه الجامعة مدى النفاق الذي تعيشه قطاعات واسعة من مجتمعاتنا، ففي الوقت الذي أطلقت مختلف الأوصاف البذيئة، والنعوت القذرة على هذه المؤسسة ودورها الاستعماري، وما سعت إليه من تغيير لعادات مجتمعاتنا والتأثير في تقاليدنا، فإن أصحاب هذه الدعوات بالذات، المحسوبين على الليبرالية، كانوا الأكثر حرصاً على إرسال أبنائهم لتلقي التعليم فيها، وتناقض هؤلاء لا يختلف عن تناقضات المتأسلمين وتصرفاتهم، فهم يظهرون أشد العداء لأميركا، ولكنهم يستميتون في إرسال أبنائهم إلى دول الكفر لتلقي التعليم وسوء الخلق فيها! وأتذكر مقابلة لأحد كبار جمعية الإصلاح، الفرع المحلي للإخوان، التابع للتنظيم العالمي، مع قناة تلفزيون أميركية وصف فيها المجتمع الأميركي بأقذر النعوت، وتحدث عن انحلاله وانتشار الفساد فيه! وعندما سأله المذيع عن الدولة التي تلقى فيها تعليمه قال أميركا «علامة تعجب واحدة»، وعن الدولة التي أرسل أبناءه إليها للتعليم أجاب: أميركا « علامتا تعجب».
أسست عائلتا الشيخين، وهو لقب ديني بروتستنتي، «دودج dodge وبلس bliss»، الأول ثري وممول، والثاني مبشر، وأطلق اسمه على الشارع المحاذي لمدخل الجامعة الرئيسي، أسستا وأدارتا، لأربعة أجيال متعاقبة، الجامعة الأميركية في بيروت، التي ارتبط تاريخها بشكل وثيق بالأحداث الكبرى التي شهدها المشرق العربي، من اتفاقية سايكس بيكو إلى تقسيم سوريا وفلسطين وتأسيس إمارة «مملكة» شرق الأردن وغيرها! كما كان لها دور مهم في حركة تحرر المرأة العربية، وكانت إحسان أحمد، المصرية، أولى طالباتها في عام 1940.
كتاب الشيخين ليس مجرد سرد تاريخي لمؤسسة كان لها الدور الأكبر على مدى 150عاماً في خلق شخصيات تاريخية أثرت في اقتصادات وسياسات دول المنطقة والعالم، وأثرت في الصراع العربي - اليهودي، والحرب الباردة بين القوتين الأعظم، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بل ويتطرق لصراع الأسرتين على إدارة الجامعة ودورهما الثقافي والتعليمي، والدور الرمزي الكبير الذي قامتا به لخدمة سياسات الولايات المتحدة. كما كان للجامعة الدور الحيوي في حركات «التحرر» في المنطقة، والانقلابات العربية، والحركة الصهيونية ودورها الخطر في أحداث منتصف القرن الماضي، وما تبع ذلك من نشوء الحركات الإسلامية المتشددة، ومعارك الأمن والطاقة في المنطقة. كتاب جدير بالقراءة نتمنى أن تلتفت إليه دور الترجمة، فما يزخر به من معلومات يجب أن يتاح للكثيرين ولا يهمل.