كذبة نظافة مجتمعاتنا

ليس سهلا الحديث عن سبب عدم اهتمام مجتمعاتنا بالنظافة بالرغم من كمّ الأحاديث الدينية والأمثال، التي تحث على الاغتسال والتطهير أو «التسبع»، أي غسل اليد أو عضو الجسم سبع مرات، كي ينظف ويصبح طاهرا. كما نركز دائما في انتقاداتنا للغربيين على عدم نظافتهم، مقارنة بنا، ولكن الحقيقة أن محال ومكاتب وشوارع وبيوت وملابس غالبية الأوروبيين والغربيين عموما أكثر نظافة مما يماثلها عندنا، فكيف يكونون أقل نظافة منا؟ هل لأنهم لا يستخدمون الشطافات مثلا في حماماتهم؟ ومنذ متى عرفناها نحن لكي نعيرهم بعدم استخدامها؟ هل نسينا الاستنجاء؟ عادت قريبة لي من الحج قبل نصف قرن، وعندما سألتها عن انطباعاتها اشتكت من مستوى النظافة. قامت بالحج بعدها بربع قرن، وسألتها نفس السؤال فلم يختلف جوابها، مع شكواها من نقص واضح في أماكن قضاء الحاجة، وهذه تقريبا مشكلة كل عواصم دولنا المشرقية، الغنية والفقيرة. أما في العتبات الشيعية، دون تحديد، فإن الأوضاع خارجها بائسة فعلا، سواء على أيام صدام، قبلها أو بعدها، حيث تشكو جميعها من انتشار الأوساخ في كل مكان تقريبا، وخاصة في المناسبات الدينية، وجزء صغير من السبب يعود الى عدم وجود سلال قمامة مثلا، أو حمامات عمومية لائقة. وقبل أيام جرى تداول فيديو يبين كم الوساخة التي عادة ما يتركها ركاب شركات طيران خلفهم، وفي منطقتنا بالذات. وكيف ان الأمر أصبح يشكل ظاهرة مقلقة على «الكويتية» مثلا، ومصدر شكوى حتى من كبار مسؤوليها. فالأوساخ ليست فقط ما يرمى على الأرض، بل وما يترك من آثار طعام على أقمشة الكراسي، والقذارة الشديدة في الحمامات. وهنا في لبنان، لا تزال ظاهرة تداخل واختلاط مناطق السكن الشيعة مع السنية مع الدرزية والمسيحية، من مختلف طوائفهم أمرا سائدا، وهي من الأشياء الجميلة التي لم تنجح الحرب الأهلية في القضاء عليها تماما، وخاصة في بعض مناطق العاصمة بيروت وفي الجبل، بالرغم من كل التهجير المذهبي الذي جرى أثنائها، وبالتالي يمكن معرفة ديانة أو مذهب أي منطقة أو ضيعة من أحد أمرين: 1 ـ طبيعة أو نوعية الأسماء التي تحملها محال شوارع القرية أو الضيعة الرئيسية، أو نوعية الشعارات الحزبية والصور الانتخابية التي تعلق على أعمدة الإنارة وغيرها. 2 ـ درجة نظافة المنطقة وشوارعها الرئيسية.. وحال شوارع «جماعاتنا» حدث ولا حرج. وقد تحدثت مع بعض كبار مسؤولي الأحزاب عن سبب الفوضى السائدة في مناطق محددة، وقلت لهم إنني اتفهم رفضهم دفع ثمن استهلاك الكهرباء والماء للدولة، أو تعديهم على أملاك الدولة والآخرين، أو الفوضى في الشوارع ومخالفة أنظمة المرور، فهذه جميعها قد تكون نوعاً من ردة الفعل على تقصير الدولة، وجزءاً من العملية السياسية والتجاذب الحزبي، ولكن ما لا أستطيع بلعه أو هضمه، إن بلعته، هو كم الأوساخ والزبالة في هذه المناطق! هل لأنها جزء من شخصية الساكن أو ثقافة المنطقة؟ ولماذا لا تتدخل الزعامات لفرض النظافة على الجميع، وهي التي بإمكانها بسهولة فرض أمور أهم وأكثر خطورة؟.. الجواب يكون دائما إما ابتسامة صفراء أو هزة رأس ذات معنى، من دون النطق بكلمة!

أحمد الصراف 



الارشيف

Back to Top