تخلفنا وأبو حامد
لدينا في العالمين العربي والإسلامي مشكلة حقيقية تتعلّق بتخلفنا في كل مجال.. من دون استثناء! وتتعدد التفسيرات، وتتضارب الآراء في سبب هذا التخلف، أو الظروف التي أوصلتنا إلى هذا الدرك من العجز عن القيام بشيء لتغيير الواقع المأساوي الذي نحن فيه. أعتقد بتواضع او بغيره بأن الأمر يعود أساسا لسببين:
1 - فشلنا على مدى قرون في جعل النص أكثر مرونة وملاءمة لظروف العصر وضروريات الحياة الحالية الشديدة التغير والتطور والتبدل.
2 - إصرارنا على تغليب النص على العقل.
***
تأسست فرقة المعتزلة في البصرة، وقويت في العصر العباسي، واعتمدت على العقل في تأسيس العقيدة، وقدموه على النقل، أو النص، وقالوا بالفكر قبل السمع، ورفضوا الأحاديث التي لا يقرها العقل بحسب وصفهم، وقالوا بوجوب معرفة الله بالعقل ولو لم يرد شرع بذلك، وإذا تعارض النص مع العقل قدموا العقل لأنه أصل النص، ولا يتقدم الفرع على الأصل. والحسن والقبح تجب معرفتهما بالعقل، فالعقل بذلك موجب وآمر وناه. لم يعجب هذا الكلام، الثوري في حينه، البعض فنشأت فرقة الأشاعرة المضادة لها فكريا، والتي دعت لتغليب النص على العقل، فالعقل ما هو إلا أداة لفهم النص. وكان من الطبيعي أن ينال هذا الفكر الجديد قبول أنظمة الحكم في حينه، ومع الوقت ساهم هذا الفكر في الحفاظ على السلام المجتمعي بين الراعي والرعية، بسب خضوع الرعية وعدم أحقيتهم في سؤال الراعي عن أي شيء، واستسلمت الشعوب، مع الوقت، لواقعها ولو كان مأساويا. وبالتالي أصبح الفكر الأشعري هو المسيطر على أغلبية المؤسسات الدينية في المشرق والغرب العربيين منذ يومها، فجامعة الزيتونة ومؤسسة الأزهر وتنظيم الإخوان المسلمين هم من غلاة الأشاعرة ومن المروجين لهذا الفكر. كما لهم وجود قوي في المملكة السعودية وكان منهم مسؤولون وسياسيون كبار. جاءت حركة الأشاعرة كفكرة مضادة لفكر المعتزلة الذي نشأ مع أواخر الدولة الأموية وازدهر في العصر العباسي. وكان من نتائج انتشاره قبل ألف عام تقريبا، ومع تبني الإمام أبي حامد الغزالي لأفكار الاشاعرة، أن وضع العقل على الرف. وقام علماء كبار آخرون ومؤثرون بالسير في طريق أبي حامد الغزالي والدعوة جهارا إلى أن العقل البشري غير مؤهل إطلاقا للنقد والبحث، وعلى المسلمين القبول بالنص دون سواه، ولا اجتهاد إلا في أضيق الحدود التي يسمح بها النص. ولا يجب أن نفكر في علة أو سبب وقوع الكوارث، فلكل شيء سبب، وعلى المسلمين القبول بالفقر والمرض، وعدم الإكثار من الأسئلة. قام علماء أفذاذ من امثال ابن رشد، وابن سينا والفارابي، الذين عاصروا الغزالي، بمعارضة الأشاعرة، وقول عكس أقوالهم، فتم التخلص منهم، بعد تكفيرهم، فالسلطات، بدءا من الخليفة العباسي المأمون، وإلى اليوم رأوا في ما يقدمه الأشاعرة دعما لحكمهم، واستقرارا لسلطتهم، لأنهم يروجون لقاعدة أن العقل غير قادر على التفكير الناقد، وعلينا أن نقبل ونهادن الحاكم، أو المرشد الأعلى. وعليه وجدت المخابرات الغربية في أفكار الأشاعرة كنزا، وقامت بتجنيد أفكار «علماء الإسلام الأموات» في خدمتهم، للسيطرة على البلدان العربية والإسلامية، والوقوف علنا وسرا وراء تأسيس الأحزاب الدينية (الإخوان المسلمون مثالا)، ودعمها ماديا ومعنويا، وتشجيعها على نشر هذه الأفكار وتجذيرها، بحيث أصبحت جزءا من الشخصية العربية الإسلامية.
والآن، هل من يرغب في رؤية الإخوان في سدة الحكم؟
أحمد الصراف