سامي النصف ومصير هذه الأمة
يقول الزميل والكابتن السابق سامي النصف في تغريدة له: أصبح البعض يعامل اللغة العربية الزاخرة كما يعامل بعض الإسلاميين الدين الإسلامي الحنيف ويعتبرونه ديناً هشاً ضعيفاً يخدشه مقال أو يضره كاريكاتير. اللغة الإنكليزية هي لغة العصر والمستقبل، وتعلمها منذ الصغر والتمكن منها، حالنا حال شعوب العالم الأخرى، هما الأمل الوحيد لمنع «استمرار» تدهورنا الحضاري.
***
جاءت تغريدته رداً على نداءات تدعو إلى تقوية تدريس العربية وتحصينها بقصص التراث، وأن يعود الطفل لمعرفة سندباد، والشاطر حسن، والمعري، وحي بن يقظان، وغيرهم، بسبب التخوف من نضوب بحر اللغة العربية في المنازل وأفول نجمها أو التوقف عن التحدث بها، وهو ما يستوجب من جميع الجهات وضع خطط وبرامج لتدارك الأمر. وطالب المتخوفون بإيجاد منظومة فكرية شاملة، لأن اللغة عبارة عن نسيج يتشرّب الثقافة! ويدعي هؤلاء أن الأطفال لا يعرفون الشخصيات الكرتونية التي تجسد نماذج عربية إلا من الغرب وعبر متابعة أفلامهم، وهو ما يشكّل «حالة من الاستشراق الذاتي»، أي أننا نتعرف على أنفسنا بمنتجات آتية من الغرب، وأننا نفقد حضارة بأكملها عندما نفرّط في اللغة العربية. وقد غردنا في حينه قائلين: إن هذا الكلام، إن صح منطقه، لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل دولة علمانية. فكثير من الشخصيات التي نادى البعض بتعريف الطفل العربي بها مرفوضة لدى جهات ذات نفوذ. فلا المعري ولا ابن رشد ولا عشرات علماء المسلمين مرحب بتدريس سيرهم، وبالتالي لا يمكن الافتخار بهم، ولا نستطيع اتباع قاعدة «الالتقاط والاختيار pick and choose» من التاريخ والتراث، بل يجب أن يؤخذ بمجمله، كما فعلت كل دول العالم الحر. ويجب ألا تتدخل أهواؤنا في اختيار هذه الشخصية وترك تلك، أو ترك الأمر لزعماء الطوائف لفرض شخصياتهم على النظام والمنهاج التعليمي، المتخلف أصلاً، فهذا سيزيد الأمور تعقيداً. أما القول إننا إن لم نعلم أولادنا من هو سندباد أو علاء الدين، فإننا سنفقد حضارة بأكملها، فهذه مبالغة كبيرة، ولا أعلم أصلاً عن أي حضارة يتكلمون، فالعرب والمسلمون، بشكل عام، أصحاب عقيدة دينية ولديهم تراث معروف، ولكنهم ليسوا أصحاب حضارة بالمعنى المعاصر. إن هذا التخوف على اللغة العربية غير مبرر أساساً، فهي لغة الأمة، ووعاؤها الثقافي، وحصرها في نطاق ضيق ضمن التراث هو الذي سيجعلها عاجزة عن التطور، وربما الموت تالياً. فاللغة، أي لغة، بحاجة إلى دماء جديدة وللتطور، ولأن تعطي وتأخذ من غيرها. فقد أخذت اللغة العربية، طوال تاريخها «المكتوب»، الذي يمتد لـ1400 سنة تقريباً، آلاف الكلمات من الآرامية السريانية والهندية والإيرانية، وبقيت محافظة على شخصيتها، وأعطت في المقابل لغيرها من اللغات الكثير، فلمَ كل هذا التخوف؟ لقد كان زعماء الهند، أثناء الحكم البريطاني وبعد الاستقلال، يخاطبون الشعوب الهندية باللغة الإنكليزية. ولا تزال أفضل جامعات الهند تستعمل الإنكليزية بجانب الهندية في التعلم، وهذا لم يضعف الهنود لا ثقافياً ولا علمياً ولا أخلاقياً، ونجحوا أخيراً في إطلاق مركبة حطت، ولأول مرة في التاريخ، على الجانب المظلم من القمر. إن تعلم الطفل العربي للغة الإنكليزية لن يضعف من ثقافته ولا من تعلقه بتراثه، والعكس أقرب للصحة، من تجربتي الخاصة مع أبنائي وأحفادي. ولو افترضنا أنني على خطأ، فما الأفضل في الخيارين التاليين: طفل يعرف العربية بشكل حسن، ويعرف الإنكليزية منذ الصغر بشكل ممتاز، وبإمكانه الاطلاع على عصارة الفكر الإنساني خلال ثوان؟ أم طفل يعرف العربية بشكل ممتاز... ولا شيء غير ذلك؟ على ضوء نتيجة الإجابة على السؤالين أعلاه يمكن معرفة مصير هذه الأمة.
أحمد الصراف