زغلول وطلال أبوغزالة

يعتبر السيد طلال أبوغزالة واحداً من ألمع الفلسطينيين في المهجر، ومن أفضل وأذكى رجال الأعمال. ولد الأستاذ طلال عام 1938 في يافا، وتخرج في الجامعة الأميركية ببيروت، وكان عصامياً حتى قبل تخرجه. شاءت الصدف أن يعمل بعد تخرجه في شركة تدقيق حسابات، وشكّل ذلك نقطة تحول في حياته، فقد دفعته الخبرة والطموح إلى تأسيس شركته الخاصة لتدقيق الحسابات عام 1972. وكانت نقطة التحول الرئيسية الثانية في حياته، وهذا ما يمكنني الجزم به، والتي ربما لم تتطرق إليها سيرته الذاتية، أن نقطة انطلاقه للعالمية كانت من الكويت، التي لا يزال، بعد 45، له جذور عمل فيها ومحبون، حيث تزامن بدء نشاطه المحاسبي فيها مع فورة تأسيس الشركات المساهمة العامة، وبيع وشراء الجنسيات، وكانت للكثيرين منا «صولات وجولات» مع مكتبه المحاسبي في السبعينات. لم تتوقف انطلاقته بعدها، حيث أصبح مع الوقت والكثير من الجهد الجاد اسماً معروفاً في عالم التدقيق والمحاسبة، وبعدها في عوالم أخرى، ومنها الملكية الفكرية، وحقق بالتالي ثروة كبيرة أحسن استغلالها، ولم يبخل بها على أبناء وطنه، والصرف على مختلف الأعمال الخيرية والعلمية والبحثية المجدية. كل ذلك جعله جديراً باحترام وتقدير جهات عدة استحق عليها العديد من الأوسمة والمناصب المرموقة والسمعة الجيدة. كما كانت له إسهامات واضحة في العلوم المحاسبية، وفي تأسيس المعاهد والجامعات، وفي عالم المنح الدراسية السخية. كل هذا جميل، إلى أن بدأ الأستاذ قبل أكثر من سنة بالترويج لفكرة أن العالم مقبل في عام 2020 على ركود اقتصادي كبير. وتوقع في عشرات التصريحات والمقابلات حدوث أزمة اقتصادية عالمية أسوأ من أزمة عام 2008، وأن انكماشاً ضخماً وغلاء في الأسعار سيتبعان الركود، وسيتضاعف الدين العالمي، وستستمر الأزمة لثلاث أو أربع سنوات، وتوقع أن المنطقة العربية ستحدث فيها «نهضة اقتصادية» في 2024 بعد الأزمة العالمية! وتوقع وقوع حرب عالمية ثالثة أثناء أو بعد الأزمة! ولا أدري كيف ستحدث نهضة في الدول العربية إن كانت هناك حرب عالمية ثالثة؟ ثم أنهى تصريحاته برسالة في 17 - 8 - 2019 موجهة إلى مختلف العاملين في شركاته، كرر فيها سابق تحذيراته بحتمية الركود ووقوع حرب عالمية، وبدأها بالجملة التالية: لقد أعلنت الولايات المتحدة في 14 يوليو، كما توقعت أنا سابقاً، أن اقتصادها قد دخل في مرحلة الركود، وتبعها في ذلك الاقتصاد الأوروبي أيضاً، كما توقعت. وسوف يجر الركود لوقوع حرب عالمية ثالثة! ثم ذكر مجموعة من النصائح والإرشادات بضرورة زيادة الإنتاجية والتقشف في النفقات! ولا أدري لماذا طالب بزيادة الإنتاجية، والحرب على الأبواب، بدلاً من المطالبة ببناء الملاجئ وتخزين الأدوية والأطعمة؟ الخطير في الموضوع صدور هذا الكلام المخيف، وغير الصحيح إطلاقاً، من شخصية بوزن ومكانة طلال أبوغزالة؟ فلم يحدث، لا في هذا الشهر ولا في الذي قبله، أن أعلنت أميركا دخولها مرحلة الركود، والعكس أقرب للدقة. كما لم تعلن أي من اقتصادات أوروبا أنها تعاني من الركود، فمن أين جاء بهذا الكلام غير المسؤول؟ قمت بمراجعة بعض مقابلات السيد طلال، فوجدت أنه يستخدم نفس أسلوب «الزغلول» في مواضيع الإعجاز، عندما يدعي أن مختبرات وجامعات أوروبا أثبتت ادعاءاته أو أقواله، من دون التبرع بذكر اسم معهد أو جامعة أو عالم غربي واحد! ما هو مؤكد أن جهات مالية عدة حذّرت من الركود، ولكنه لم يقع حتى الآن، بل ما حدث أن «بنك مورغان ستانلي»، وهو واحدة من أكبر مؤسسات العالم المالية، أعلن أن فرصة حدوث ركود في الولايات المتحدة لا تزيد على %20 في الأشهر 12 القادمة. وقال إن أهم المؤشرات التي تسبق الركود وجود بطالة، وهذه غير موجودة حتى الآن. ويُعرِّف المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية nber الركود بـ: «انخفاض كبير في النشاط الاقتصادي يدوم لبضعة أشهر، ويكون مرئياً عادة في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي والدخل الحقيقي والعمالة والإنتاج الصناعي وأرقام البيع بالجملة والتجزئة». وهذا ما لم يلاحظ حتى الآن! من حق السيد طلال وغيره توقع ما يشاؤون، وقد تتحقق توقعاتهم، لكن الادعاء شيء، والتوقع شيء آخر. فما ذكره أدخل الهلع على قلوب الكثيرين من الذين يحترمون آراءه، وهي بعيدة عن الصحة تماماً. حاولت، على مدى أسبوع، الاتصال بالسيد طلال عن طريق مكتبه في الكويت، ومن خلال أحد أقربائه، للاستفسار منه عن مصدر معلوماته، ولكن من دون جدوى، فكان هذا المقال لتوضيح الصورة.

***

تقيم جمعية الخريجين (خلف جمعية المهندسين) معرضها السنوي للكتاب ابتداء من اليوم وحتى الأربعاء، من الساعة ٥ إلى ٩ مساء، ولنا فيه مشاركة.. نلقاكم.

أحمد الصراف 



الارشيف

Back to Top