أنا والمراقب الشاب

دخل علي في مكتبي في أحد الأيام أحد مفتشي الأغذية، وكان ذلك قبل سنوات عندما كنت أتاجر في المواد الغذائية. اعتقد المراقب، والذي كان في منتصف العشرينات من العمر، أن سلطة الضبطية التي يحملها تجيز له التصرف بالطريقة التي يشتهيها، خاصة مع من يرتدي بدلة، لاعتقاده ربما في فساد ذمة كل المتعاملين في المواد الغذائية. رفض بصلافة طلبي بالجلوس، وقال انه يود إجراء التفتيش فورا، فقمت من مكاني، وأمسكته من ذراعه، وأشعرته بسلطة السن عليه، وقلت له بأنني سأصحبه شخصيا في جولته. رافقته في كل مكان طلب الدخول اليه، ولم يتردد في قلب المواد والكراتين والمثلجات، والتيقن من دقة وصحة صلاحية كل مادة تقريبا، وعدم وجود تزوير، وعندما «طاب خاطره» واطمأن لسلامة الوضع، ابتسم شاكرا، فقلت ان له هديه لدي، ابتسم ولم يعلق! قلت له انني رافقته في جولته ليس عن سوء نية، وعرّفته بأنني كاتب أحارب الفساد ولن اسمح بأن أضبط يوما متلبسا بالغش. قلت له انني سأعطيه نصيحة قد تكون أغلى ثمنا من أي هدية، فهو شاب ومقبل على زواج وقريبا سيكون له أبناء وسيبذل جهدا في تربيتهم، ويقدم لهم الأفضل، وبالتالي عليه أن يكون أمينا في عمله ولا يقبل أي رشوة! فما يقوم بتمريره أو غض النظر عنه من مواد منتهية الصلاحية قد تنتهي يوما في بطن احبته، أهله وأبنائه، وربما حتى بطنه هو وإصابته بمرض أو غيره. قلت له إنني أبيع 30 مادة غذائية تقريبا، ولكنني واهلي نستهلك مئات الأصناف منها. وبالتالي هو وزملاؤه من مفتشي البلدية سد الأمان الذي أعتمد عليه لصد موجة المواد الغذائية الفاسدة، التي تغرق السوق. ومع كل الخراب الذي نراه حولنا، فليس لنا غير الاعتماد عليه وزملائه لحمايتنا من الأطعمة الفاسدة، واي تراخ منهم، لأي سبب كان، سيخلق مشاكل صحية وأخلاقية وأمنية لا حصر لها! كتبت موضوع المقال أعلاه قبل عشر سنوات أو أكثر، وأعيد كتابته الآن ثانية بدافع ثلاثة أمور: 1 - مفتش البلدية، الذي انتقل للعمل في هيئة الغذاء، زارني بعد أكثر من عشر سنوات، ليشكرني على النصيحة الغالية التي سمعها مني وعمل بها. وبالتالي أتوجه بطلبي للأخ عيسى الكندري، المدير العام لهيئة الغذاء، بضرورة الاهتمام بأوضاع وظروف عمل مفتشي الأغذية، وبقية الأنشطة المشابهة، فهؤلاء هم عيوننا وهم حماتنا من الفاسدين في أكثر الأنشطة تعلقا بصحتنا اليومية. 2 - كما أتوجه بالطلب من وكيل وزارة التجارة ضرورة الالتفات الى موظفي مكاتب الرقابة، خاصة في حماية المستهلك، وأكبرها في المباركية، فبينهم شباب مخلصون يعملون بجد ولا يحتاجون إلا للتقدير والدعم، فهم يواجهون تجارا فاسدين كبارا، لهم سطوتهم ولهم من يدعمهم، ولا يجب تركهم من دون سند. 3 - كما أطالب سمو رئيس الوزراء بضرورة دعم المدير العام للبلدية، م. أحمد المنفوحي، وإطلاق يده من خلال وقف أي تدخلات في عمله. فعلى الرغم من أنه أفضل من تولى هذا المنصب الحساس، مع الاحترام لمن سبقوه، فإنه يتعرض لضغوط كثيرة وكبيرة من جهات عدة. وبصراحة، الوضع العام لا يتحمل خسارته.

أحمد الصراف 



الارشيف

Back to Top