الزميل العسعوسي.. و«فهمت كيف»..!
كان غوبلز يقول: عندما أسمع كلمة «مثقف» أضع يدي على مسدسي. وعندما أسمع من يقول «فهمت كيف؟» أضع يدي على قلبي متوقعاً الأسوأ!
***
كنت في منتصف الثمانينات شريكا ومديرا لشركة صغيرة في لندن. كانت مكاتب الشركة تقع في مبنى يدار من قبلنا، وفي أحد الأيام اشتكى أحد المستأجرين من عدم وجود ورق تواليت وصابون في الحمامات. أخذته بيدي وبينت له خطأه، اعتذر بأدب. قلت له قبل أن نفترق إننا شركة رأسمالها 3 ملايين جنيه، ولا نسعى لتوفير نصف جنيه قيمة ورق تواليت وصابون! زار مكتبنا بعدها بأيام مفتش ضريبة الدخل، وفحص دفاترنا ولم يجد شيئا، فكررت عليه مقولة مبلغ الثلاثة ملايين، واننا جادون في عملنا. بعدها بأسبوع جاء مفتش الـvat أو ضريبة القيمة المضافة، وسمع مني المبلغ نفسه، وكيف اننا غير خاضعين في عملنا لتلك الضريبة. حان وقتها عقد اجتماع مجلس إدارة الشركة، فطلبت من المحاسب الانتهاء من الموازنة يوم الجمعة، وتركها على مكتبي، حيث سيعقد الاجتماع في اليوم التالي. عدت مساء للمكتب، واكتشفت أن رأسمال الشركة في الموازنة هو مليون ونصف المليون وليس ثلاثة ملايين! كان الوقت قد تأخر للاتصال بالمحاسب في مكتبه، ولأهمية الموضوع اتصلت به في بيته، فردت زوجته، وقالت إنه «دخل السبت»، وليس بإمكانه الرد على الهاتف، كما هي عادة اليهود المتشددين. اقترحت عليها أن تبين له الخطأ الذي ارتكبه في تدوين رأسمال الشركة، وانني أريد حلا. وعدت أن تتحدث معه وتعاود الاتصال بي. اتصلت بعدها بدقائق، وقرأت من ورقة دونها زوجها المحاسب حصة كل شريك، وان رأسمال الشركة هو بالفعل مليون ونصف المليون، وليس ما كنت أردده. اكتشفت أن تردادي لمبلغ الثلاثة ملايين ترسخ في ذهني، و«صدقت كذبتي»، مع انني لم استفد شيئا من ذكرها، بل كنت أقولها لخلق انطباع جيد عن الشركة، وكانت تجربة جيدة تعلمت منها الكثير. تذكرت تلك الواقعة، التي جرت 35 عاما تقريبا، وأنا أستمع الى جزء من مقابلة مع بعض من يعتقدون أنهم «فلاسفة ومفكرون»، وكيف أصيبوا بحالة مماثلة لحالتي، ولكن دائمة. وصدقوا القصص الخيالية التي كرروا سردها، ولكن الاختلاف أنهم استمرأوا الوضع، وعاشوا الدور بجدية أكبر. وفي هذا السياق، كتب الزميل والمحامي بسام العسعوسي مقالا الجمعة 9/27 ورد فيه: «الشهرة أنواع... فهمت كيف؟ فهناك مشاهير بالعلم والفكر والأدب، وهناك مشاهير بالتهريج. ولا أفهم لماذا يختار البعض طريق التدليس والمناورة وقلب الحقائق للوصول إلى عالم الأضواء والنجومية من خلال استمرار الظهور في برامج تلفزيونية تعتبر بمنزلة إعادة الميت اكلينيكياً إلى الحياة السياسية، عبر استضافته للحديث في الخزعبلات الفكرية والتحليلات غير المنطقية، والترويج لبضاعة منتهية الصلاحية! صاحبنا ليس له رأي ثابت من أي قضية، وكل هدفه تهييج الدهماء والعوام والبسطاء، وما أكثرهم في مجتمعاتنا» (انتهى الاقتباس بتصرف). وقد قمت بالاستماع الى إحدى حلقات «شايف كيف فهمت كيف»، ووردتني عدة ملاحظات وتعليقات من قراء أعزاء عن كثير مما ورد فيها من مغالطات. وقد اخترت الانتهاء من الاستماع الى جميع الحلقات قبل التعليق عليها، وهذا المقال فقط للتحذير من تصديق كل ما يرد في تلك المقابلات، فالحقيقة، في أحيان كثيرة، تكون خلاف ما يقال.
أحمد الصراف