شمعة تونس
بقدر ما سعدت بفوز الرئيس التونسي قيس سعيّد بأكثرية كبرى في الانتخابات التونسية الأخيرة، بقدر ما حزنت لفوز حزب النهضة، ممثلي حركة الإخوان المسلمين في تونس، بغالبية مقاعد البرلمان، بعد أن خسر مرشحها، عبدالفتاح مورو، الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهذا يعني ان العرب والمسلمين لا يزالون بعيدين بأميال ضوئية عن الحرية والديموقراطية الحقيقية. ومع هذا سنستمر في الإشادة بتونس واعتبارها «غير شكل»، ليس لأنها الأفضل، بل فقط لأنها الأقل سوءا مقارنة ببقية شقيقاتها في بحر التخلف الذي نخوض فيه. لا شك في أن ما يتسم به الرئيس الجديد من ميول محافظة ستدفعه ربما للتماهي مع البرلمان الإخواني، ولن يكون ذلك في مصلحة تونس واقتصادها وازدهارها، لا على المدى القصير ولا الطويل، خاصة ان تم اختيار رئيس وزراء إخونجي. فحركة النهضة الإخوانية تبقى منتمية لجيل سياسي قديم مهترئ، وفوزها بغالبية مقاعد البرلمان يعني تجدد شرارة الربيع العربي التي انطلقت أساسا من تونس ضد هذه الطبقة بالذات وضد كل من تمثله الدكتاتورية. فبخلاف الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المريح في غالبية الدول الخليجية، فإننا لا نرى من حولنا إلا القتامة واليأس والعجز، مع تفاوت بسيط في درجاتها بين هذه الدولة أو تلك. ووسط هذه الحالة المحزنة، وشبه الميؤوس منها، كما تبين أحداث لبنان والعراق، تبقى تونس، بشمعتها القابلة لأن تنطفئ في اي لحظة، في الوسط، بين الفريق الخليجي والفريق الآخر. ولكي تبقى شمعة تونس مشتعلة يتطلب الأمر انتقال عدوى الحرية والديموقراطية الى الدول الأخرى كلبنان وسوريا والعراق وغيرها، فليس في وسع تونس الاستمرار في أن تكون واحة حرية وجيرانها والأقرب لنفسيتها ومحيطها الأكبر عكس ذلك تماما. كما نتمنى أن يتخلى الرئيس سعيّد عن بعض آرائه المحافظة، ويتناسى تصريحاته الانتخابية السياسية المتطرفة في ما يتعلق بمواقف تونس الخارجية، ومواقفه من قضايا الشرق الأوسط بالذات، والتي ربما تطلبتها ظروف حملته الانتخابية. وأن يتناسى الإساءات الى سمعته، ويتجاوز ما أشيع من تعرّضه لإغراءات خلال حملته الانتخابية المتواضعة، فهذا لن يكون في مصلحته. كما عليه الانفتاح على الحداثة وتشجيع حرية تبادل الأفكار والآراء، فليس هناك ما هو أفضل من مناخ الحرية، فلولاها لما وصل الى سدة الرئاسة، فوصوله ما هو إلا نتاج لتلك الحرية، وهو يجب ألا يكتفي بأن يكون حارسها، بل وملهمها، ومشعل نارها.
أحمد الصراف