الحيرة بين المدنية والدينية
دعت الحكومة المواطنين، وعبر مختلف وسائل الإعلام، للاكتتاب في شركتي الزور والبورصة المربحتين، وقد قمت بالفعل بذلك، وهي المرة الأولى التي أقوم بالمساهمة في شركة عن طريق الأونلاين online، وتم ذلك بيسر وسهولة ولم يستغرق الأمر أكثر من عشر دقائق. بعد ساعة من انتهائي من الاكتتاب، صدرت فتوى حكومية رسمية تحرم ما قمت به لوجود شبهة تعامل هاتين الشركتين بالربا! تذكرت، بعد قراءة الفتوى ما حصل معي عام 1964 في بنك الخليج عندما طلب مني عميل معرفة مبلغ الفائدة على حساب التوفير، فأعلمته به، فطلب سحبه، ووضعه في جيبه، وأخرج من حافظة نقوده مبلغا كبيرا وطلب إيداعه في نفس الحساب، ولكنه أضاف محذرا بأن علي عدم خلط المبلغ الجديد برصيد الحساب القديم، فهذا «مال حلال» وذلك «مال حرام»! شرحت له إن الأموال تختلط في خزانة البنك، وداخل الحساب بعضها مع بعض، فلم يفهم، وزعل لرفضي تلبية طلبه، وأخذ المبلغ الكبير وخرج وهو يقول انه سيفتح حسابا في بنك آخر، رافضا عرضي بفتح حساب آخر له! من الممكن تبرير تصرف ذلك الرجل الساذج، ولكن كيف يمكن تبرير فتوى الأوقاف، وآلاف المؤمنين بها أو الذين سيتبعونها؟ ألا يعلم هؤلاء أن أول شركة مساهمة في تاريخ الكويت كانت مصرفا تجاريا تأسس عام 1952، عندما لم يكن البعض ممن يغرقوننا اليوم بفتواهم قد ولدوا؟ ألا يعلم هؤلاء إن عشرات الشركات «الربوية» المماثلة تأسست منذ يومها؟ ألا يعلم من أفتوا أن رواتبهم ورواتب أبنائهم تأتي من استثمارات الدولة/ الحكومة في الداخل والخارج ومن فوائد أسهم وسندات وودائع الشركات والمصارف التي تأسست منذ 1952 وحتى اليوم؟ ألا يعلم من أصدر الفتوى أن كل ما يسمى بالبنوك الإسلامية، دون استثناء، تعتمد في تعاملاتها وتحديد فوائد قروضها على النسب العالمية يوما بيوم؟ والإعلانات تملأ الشوارع تؤكد ذلك. ألم تنقسم آراء أعضاء اللجنة التي أفتت لثلاثة آراء، أحدها يرى بجواز الاكتتاب، فهل يعتبر الأخير جاهلا أو كافرا مثلا؟ ولو قلنا إن رأي اللجنة أو فتواها اختياري، فما ذنب الأسر التي يقرر وليها عدم الاكتتاب ويحرمها من فوائد المشروعين المؤكدة؟ ولو قلنا إن هذا رأي اللجنة، فأين رأي الحكومة، الممثلة للدولة المدنية الدستورية التي نتظلل جميعا بظلها؟ من مصلحتي الشخصية، ومصلحة الكثيرين، امتناع أكبر عدد من المواطنين عن الاكتتاب في أسهم هاتين الشركتين، تماشيا مع هذه الفتوى، لتزيد حصتنا من الأسهم، ولكن هذا فكر ضيق والمسألة أخطر من ذلك بكثير، فقبول هذه الفتوى يسارع في انزلاقنا لمنحدر الدولة الدينية التي لا يعرف أحد في العالم حدودها، أو أين تبدأ وأين تنتهي، أو حتى كيف يمكن أن تدار في عالم شديد التعقيد.
أحمد الصراف