القرفة والقرف

تعتبر التوابل من المكملات الغذائية المهمة، والكثير من الأطعمة تصبح بغيرها بلا طعم. وكانت مأكولات دول أوروبا بالفعل بلا طعم لآلاف السنين إلى أن اكتشفوا التوابل، فجنوا بها، ودخلوا في حروب للحصول عليها، بعد أن كانت تصل إليهم قديماً عن طريق تُجار عرب أو هنود، وكانت أسعار بعضها يقارب أسعار الذهب، وهذا ما دفع البرتغال وأسبانيا إلى البحث عنها، وبدأت رحلاتهم الاستكشافية في القرن الرابع عشر، ووصلوا إلى «ملقة» حيث اشتبك فيها الملك البرتغالي «البوكرك» مع التجار العرب، وتمكن من احتلالها عام 1511 ليصبحوا سادة التوابل في أوروبا. وبعدها دخلت على التجارة دول استعمارية أخرى بعد أن أثار النجاح الذي حققه البرتغاليون والأسبان حَسدْها، ولم يكن ذلك ممكناً من دون قيام ثورة في الأراضي المنخفضة وبلجيكا، وقدّمت إنكلترا العون لهما تحت قيادة السير «فرنسيس ديرك» الذي قام عام 1577 بغزو المستعمرات الأسبانية، وأدى هذا لإشعال فتيل الحرب بين البلدين، وحسمت إنكلترا المعركة لمصلحتها بتحطيم أسطورة الارمادا. وبعد هذا النصر، هاجم الإنكليز وشعب الأراضي المنخفضة بلاد الشرق التي كانت تحت سيطرة أسبانيا والبرتغال، لتتحوّل السيادة للإنكليز والهولنديين. تُعتَبَر القرفة، أو الدارسين، من أقدم التوابل التي استخدمها الإنسان، وكانت جزءاً من أسباب حرب التوابل التي شنتها أوروبا على الشرق. وهي من التوابل التي عرفها الإنسان قبل الميلاد، ويجري الحصول عليها من فروع أشجار فصيلة الدارسين أو cinnamon، ويُذكَر أنَّ موطنها الأصليّ يعود إلى الكاريبي، وأميركا الجنوبية، وجنوب شرق آسيا، وكانت تحظى باهتمام واسع في مصر القديمة، حيث استخدمها الأطبّاء في علاج بعض الحالات. تمتاز القرفة بمذاقها الحلو ورائحتها العِطريّة، كما تُعدُّ ثاني أكثر التوابل المفضّلة في الولايات المتحدة وأوروبا، بعد الفلفل الأسود، وتجدر الإشارة إلى أنَّ القرفة تنقسم إلى نوعين، الصينيّة والتي تُعرَف بالسليخة، cassia، والقرفة السَيْلانِية. هذا عن القرفة. أما عن القرف، فهو الخلط الذي نراه بين القرفة السيريلانكية الأصلية وتلك الصينية أو الفيتنامية المسماة بالسليخة cassia الأقل فائدة. فتسعون في المئة من القرفة التي تقوم المقاهي البرستيج برشها على قهوتك، أو القرفة التي تشتريها لترشها على «الهريسة» في رمضان، أو التي يعمل منها شاي الدارسين، هي قرفة صينية ومغشوشة وذات فائدة قليلة، وأحياناً ضارة للبعض. التفريق بين النوعين ليس صعباً، فسعر السريلانكية أعلى، ويتكون غير المطحون منها من أصابع هشة وسهلة الطحن، وتبدو من داخلها كلفافة سيجارة التبغ «اللف». أما القرفة الصينية التي لا يتوافر غيرها في الأسواق، فصعبة الطحن، وتبدو من الداخل كأصابع أسطوانة شبه فارغة. وعند طحنها يميل لونها إلى الشقار مقارنة بالسريلانكية التي يميل لونها إلى البني، وهي التي ننصح بها. وبسبب الفوارق الكبيرة بين النوعين، سعراً وفائدة وتأثيرات صحية، فإننا نطالب حماية المستهلك في وزارة التجارة بالتشديد على تجار القرفة والمطاحن الدولية والعالمية بضرورة تحديد مصدر القرفة، سواء كانت تباع مطحونة أو معبأة في أكياس بلاستيك لا تحمل أي معلومات عليها، أو كأقلام أو أصابع جاهزة للطحن. وقد بحثت عن القرفة السريلانكية الأصلية لدى مطاحن البن والعطارين فلم أجدها، ولكن الجميع لم يتردد في الادعاء بأن ما لديه هو سريلانكي أصلي، بالرغم من أنه صيني مغشوش.

أحمد الصراف 



الارشيف

Back to Top