الشيخ جابر ورافي شنكر

بدأت علاقتي بالموسيقي الكلاسيكية وأغاني الأوبرا في مرحلة مبكرة جدا من حياتي، فقد كانت تنتابني مشاعر غريبة وأنا أستمع لموسيقاها ولصوت ماريا كالاس وغيرها. ولو لم أكن على معتقدي لآمنت بتناسخ الأرواح، وإني كنت في حياتي السابقة نبيلا في سالسبرغ أو عضوا في بلاط آل هابسبورغ!

***

قبضت أول راتب في حياتي من عملي في البنك صيف عام 1964. استلمت المغلف الأصفر وجريت به للحمام لعد المبلغ فوجدته 90 دينارا، أي أكثر مما توقعت بعشرين دينارا. عدت للمدير الإنكليزي للفت نظره للخطأ، وكيف أن راتبي، كما أخبرت شفهيا هو 70 دينارا! راجع المدير سجله وابتسم، بعد أن شكرني على أمانتي وقال ان المبلغ صحيح، لأنني عملت أربعين يوما، وليس شهرا. شعرت بالخجل من جهلي، ولكني شعرت كذلك بالسعادة لأنني بينت أمانتي من جهة، ومن جهة أخرى لحصولي على مبلغ أكبر مما كنت أتوقعه. ذهبت عصر اليوم نفسه لمحال «جاشنمال»، التي كانت تقع في بناية السعدون، في شارع فهد السالم، مقابل جوهرة الخليج وصرفت الجزء الأكبر من راتبي على شراء الأسطوانات التالية: أسطوانة للفنان الهندي العالمي رافي شنكر، الذي كان الأشهر في عالم الموسيقى الهندية الكلاسيكية. أسطوانة للمطربة الإيطالية الرائعة كوني فرانسيس، وأخرى للأميركي الأسمر نات كينك كول، ورابعة للأميركي المافيوزي فراك سيناترا. كانت سعادتي يومها لا توصف، أو «غير شكل». اتصلت باثنين من أعز أصدقائي من محبي الكلاسيكيات وتواعدنا على اللقاء، وذهبت حاملا مشغل الأسطوانات، وبضع بطاريات إضافية، وبراد مرطبات وغير ذلك، إلى الساحل المواجه لمبنى السفارة الأميركية، حينها، التي كانت تقع بالقرب من فندق السفير في منطقة «بنيد القار». كانت ليلة رائعة، فلم يتخللها أي كلام، بل فقط الاستماع لبضع أغان ثم ختم الجلسة المقدسة بالاستماع لعزف رافي شنكر على السّتار لساعات وساعات، ولم نترك أماكننا إلا مع بواكير وصول الموجات الأولى من اشعة الشمس التي بدأت ترسل اشعتها لعيوننا المتعبة من النشوة وقلة النوم. تذكرت تلك الليلة الرائعة في غرابتها وأنا أقرأ الدعوة التي تلقيتها من «مجلس رجال الأعمال والمهنيين الهنود» في الكويت لحضور أول حفل موسيقى كلاسيكية هندية يقام على أرض مركز جابر الثقافي، والتي سيحيها الأستاذ إرشاد خان irshad khan، والبانديت موكوند راج mukund raj على آلة الطبلة. الملاحظة الغريبة التي استرعت نظري وبحثت عن أسبابها تعلقت بارتفاع نسبة أساتذة عزف الموسيقى الكلاسيكية من المسلمين مقارنة بغيرهم، بالرغم من أن نسبتهم من إجمالي السكان هي %15 تقريبا، ومن هؤلاء الأساتذة علي خان، بسم الله خان، وعبد الرحمن، وفلايت خان وغيرهم الكثير. والسبب يعود لما اشتهرت به الهند تاريخيا من تسامح ديني، لا يشبه ما نراه الآن من تطرف، وإلى حقيقة أن الموسيقى الهندية الكلاسيكية انطلقت من مناطق يكثر فيها المسلمون. كما انتبهت لحقيقة عدم وجود عازفي موسيقى معروفين بين مسيحيي الهند. نلتقي بكم الليلة الساعة السابعة مساء في مركز جابر.

أحمد الصراف 



الارشيف

Back to Top