وسام الشرف والشجاعة لسيدة فاضلة
قطعت خلال سنوات قاربت الستين، مئات آلاف الكيلومترات على طرقات الكويت، وبالتالي أستطيع الكتابة من واقع خبرة ومعاناة تزايدت مع تزايد وتيرة السرقات والحرمنة وخراب الذمم سنة بعد أخرى حتى بلغت ذروتها في السنوات العشر الأخيرة. بإمكاني الشهادة، بضمير مطمئن، والقول إن وضع الطرق في الكويت أصبح بيدٍ أمينة منذ أن تسلمت السيدة جنان بوشهري زمام وزارة الأشغال قبل عشرة أشهر تقريباً، وقبلت تحدياً رفض كل من سبقها في الثلاثين سنة الماضية قبولَه، حتى وصل الوضع إلى ما وصل إليه مع موجة أمطار السنة الماضية التي عرت الوضع بشكل مخجل وبينت كم الفساد المستشري. وحدها الوزيرة جنان بوشهري قررت مقارعة الخطوب والدخول إلى عش دبابير الشركات الفاسدة وإصلاح وضع طال السكوت عنه، وهنا أكرر للمرة العاشرة، لصاحب كل فكر مشكك، بأن لا علاقة تربطني بالوزيرة، من أي نوع كان، ولم نلتقِ غير مرة واحدة مصادفة، ولم تقدم لي أي خدمة، لا بطلب مني ولا بعرض منها، ولم تبلط متراً أو تردم حفرة أمام بيتي أو حول مكتبي، والمعلومات التالية التي حصلت عليها ليست منها، بل من مصادري ومن الصحف. بعد ان تسلمت الوزيرة عبء وزارة الاشغال قبل أقل من سنة، في خضم الهاوية التي كانت بها، قامت بإصدار تعليماتها بوقف أي أعمال سفلتة طرق أو إجراء أي إصلاحات، ولم يكن ذلك ممكناً أصلاً، بعد أن قامت بوقف عمل كل مصانع الأسفلت، وتجميد كل عقود الطرق الجديدة، لإعادة النظر في كامل الوضع، بغية وضع ضوابط جودة جديدة ودائمة يمكن العمل بموجبها حالياً ومستقبلاً. استعانت أولاً بقطر، التي سبقت كل دول المنطقة في خبراتها وما وضعته من قواعد بناء طرق صارمة، وحضر للبلاد بالفعل وفد تقني ودرس الحالة ووضع توصيات عملت الوزارة بموجبها وعلى إثرها باشر مسؤولوها الاجتماع باتحاد مقاولي الطرق واتحاد منتجي الصلبوخ، والتنسيق بينهما، وتحديد نوعية الصلبوخ الصالحة، وتأهيل مصانع الاسفلت المحلية التي يرجى الخير منها، وإغلاق كامل للميئوس منها. وبدأت تأهيل طواقم المصانع الصالحة وكوادرها، بالتزامن مع إعادة تأهيل الطاقم الفني وأطقم الرقابة والإشراف في الوزارة. كما أعيد النظر كلياً في مكونات وزن كل مادة تستخدم في الأسفلت، وكل ذلك استغرق بضعة أشهر، وسهراً وتعباً من جميع المخلصين في وزارة أصبح فيها المخلص من القلة. كما تضمنت الخطة رفع كفاءة شركات المقاولات التي لم تخضع للوقف، وإيقاف عدد كبير منها. كما طال الوقف، في الجانب الإسكاني، مكتبين استشاريين، وكل هذا فتح أبواب الجحيم على الوزيرة، لكنها قاومت واستطاعت أن تثبت أنها كانت طوال الوقت على حق، وبدأنا مؤخراً نرى نتيجة صبر المخلصين عليها حيث ظهرت تباشير طرق جيدة لم يعهد الكثيرون مثيلاً لها منذ عقود. نتمنى بقاء الوزيرة جنان بوشهري في أي تعديل وزاري قادم، إن حصل قريباً.. وحتى لو طالها التغيير بالانتقال لوزارة أخرى أو خرجت من الوزارة، فإنها على ثقة، حسب اعتقادي ومن مصادري، بأنها وضعت أسس بناء الطرق ومواصفاتها بحيث يصعب جداً عدم التقيد بها مستقبلاً. وسيكون وكيل الوزارة، المهندس إسماعيل الفيلكاوي، الحريص على التمسُّك بهذه المواصفات الدقيقة التي كلفت المال العام الكثير، الحارس الأمين عليها مستقبلاً، كي لا تعود خفافيش الخراب ثانية للتسلل لقطاع مقاولات الطرق. أحيي شجاعة هذه السيدة وإخلاصها وقدرتها العجيبة على مقاومة كل الضغوط التي تعرضت لها من بعض أعضاء مجلسي الأمة والوزراء، هذا غير ذباب وسائل التواصل. السيدة الوزيرة تستحق وساماً على جهودها، ومحاربتها الفاسد والمفسد، وليس استجواباً مرتجلاً. وبالتالي من حقنا الشك في وقوف بعض المتضررين من قراراتها وراء الاستجواب.. شكراً.
أحمد الصراف