مَن للمرأة في دول التخلف؟!
شعرت في مرحلة مبكرة من حياتي بجور مجتمعي، وتحيزه ضد المرأة، خاصة غير المتزوجة، وعندما لم أجد إجابة عن تساؤلاتي ممن هم حولي لجأت إلى الكتب، فوجدت الإجابة، وكانت تلك نقطة التحول الأهم في حياتي. يصعب على غالبية الرجال فهم حقيقة معاناة المرأة في الدول الإسلامية، ويصعب أكثر شرح تلك المعاناة والإحاطة بكل جوانبها، وقلة من النساء فقط بمقدورهن فهم حجم تلك المعاناة، وسنحاول في هذا الحيز الضيق الاقتراب، قدر استطاعتنا، من بعض أشكال تلك المعاناة. لن أكتب هنا عن معاناة المرأة من الناحية الفسيولوجية، فهذا فوق طاقتي. ولن أكتب عما تعانيه وتلقاه من ظلم كامرأة عزباء أو متزوجة أو مطلقة أو أرملة، فالمجتمع ضدها في كل الأحوال والظروف، خاصة إن كانت رقيقة الحال مادياً. ولن أتطرق لحقوقها المهضومة في دول كثيرة في ما يتعلق بالزواج، وإجبارها على الزواج بمن تكره، وحقها في التصرف في مهرها، هذا غير قضايا الطلاق وحصتها من الإرث، إن حصلت عليه، وحقها في حضانة أطفالها، والنفقة ممن عاشت معه وهي في ريعان الشباب، وهجرها وهي كبيرة السن عاجزة. ولن أكتب عن حقوقها المهضومة في سكن لائق، ولا بمساواتها في الأجر، وغيرها من أمور وقضايا تحتاج مجلدات للكتابة عنها، دع عنك التعامل معها. بل سنتطرق لقضيتين تقلقان شرائح كبيرة ومهمة في المجتمع الكويتي. الأولى تتعلق بحق المرأة الأم في الولاية على أطفالها القصر، وبالتحديد في المستشفيات. فمستشفيات الحكومة ترفض إجراء اي عملية لأي قاصر إلا بحضور «ذكر» من أسرة القاصر لتوقيع أوراق التعهد، فالتعليمات الصارمة ترفض توقيع الأم على الأوراق، وتصر على حضور «الذكر» للتوقيع، لاعتقادهم أن الجد أو الأخ أو العم يعرف مصلحة القاصر أكثر من أمه! وقد عانى الكثيرون من هذا التشدد غير المبرر، الذي غالباً ما يطبق على الضعفاء، أما من لهم سند وظهر فلا أحد يقترب منهم. volume 0% أما القضية الثانية فتتعلق بالتعليمات الجديدة التي أصبحت المريضة تعاني منها في المستشفيات، الحكومية بالذات، خاصة في ما يتعلق بالأمراض النسائية. فالمراجعة وأخذ عينات عملية تتطلب إحضار شهادة زواج، وإذا كانت المريضة مطلقة أو أرملة فعليها أن تثبت ذلك، أما إذا كانت عزباء فليس أمامها غير مراجعة المستشفيات الخاصة، فالحكومية ترفض معالجتها أو إجراء الفحوص المختبرية عليها، ربما لشكها في سلوكها! إن وظيفة الطبيب، تاريخياً وإنسانياً ومنطقياً، تكمن في تقديم العلاج لمن يحتاج إليه، بصرف النظر عن لون أو جنس أو دين المريض. وما تمارسه وزارة الصحة في الكويت مع المطلقات أو الفتيات العزباوات أمر مثير للسخط.. وهذا تصرف معيب ومؤسف بحقهن، فدور الوزارة يكمن في تقديم العلاج والدواء، وليس البحث في الخلفية الاجتماعية للمريضة، أو القيام بدور الوصي على أجساد المواطنات والمقيمات. علما أن الوزارة مثلاً لا تطلب من المريض الذكر، إن أصيب بمرض جنسي، إحضار عقد الزواج، فهي تعرف جيداً أن سياط النواب الأشاوس ستلهب ظهرها بالأسئلة، فلم إذاً اقتصر الطلب على الفتيات فقط؟!
أحمد الصراف